يبدأ مؤشر التشويق بالارتفاع عند السائح فور الإعلان عن بدء الهبوط في مطار عاصمة جنوب أفريقيا. فالوصول إلى بلد في أسفل خريطة العالم، أمر مشوّق بحد ذاته، فكيف إن كان هذا البلد شغل العالم بتحركاته السياسية الفريدة؟ رذاذ المطر والحرارة المنخفضة تفاجئان المترجّل من الطائرة والمتخفّف بملابس تتناسب و"صيت"الجو الأفريقي الحار. المطار المتواضع يوحي بما يترقبه السائح من بلد يحاول النهوض بشعبه بعد سلام داخلي عمّ البلاد منذ سنوات. واكتظاظه بالأجانب من أنحاء العالم، يؤشّر إلى أهميته سياحياً على الأقل. يبدأ المشهد بالتغير فور الصعود إلى الباص، باتجاه مطار داخلي: الشوارع ذات الهندسة المتطورة والنظيفة والمظللة بالأشجار تؤكد للسائح أنه في بلد آخر. بيوت جديدة، ملوّنة، تتشابه. تجمعات سكنية، رائعة التصميم، تختلف بعد مسافة معينة. ويصبح المشهد أكثر جمالاً من الجو، فتبدو المدينة كلوحة ملونة يتقاطع معها الأخضر الشجري. منظر يصلح ليكون Puzzle من مئات القطع، يشعر من يركبّها بجمال المشهد الذي يظهر شيئاً فشيئاً. للحفاظ على أن يرى سائح الدرجة الأولى، ما هو فاخر في هذه العاصمة، يُنصح بأن يتجه إلى sun city"مدينة الشمس"، في واحدة من أقدم الطائرات في العالم، تحديداً Rovos air craft، طائرة صُنعت عام 1945. الزيت الراشح من جناحيها، صوت محركها العالي، دليلان على سلامتها. ويُسمح لركابها بزيارة مقصورة الطيّار. مقاعدها الجلدية والزيتية اللون تزيد من رفاهتها، وهي التي تُعرف بأنها واحدة من أكثر وسائل النقل راحة في العالم. أحذر القردة! خمس عشرة دقيقة في الجو، توازي 3 ساعات في السيارة من جوهانسبرغ إلى"مدينة الشمس". قرية صغيرة، الواصل إليها يشعر أنها تكاد تكون مبنية"على شرف"resort the lost palace القصر الضائع. منتجع سياحي يحوي ما لا يقل عن ألفي غرفة وجناح، تنتشر على مساحة كبيرة. فرق رقص شعبية، تلاقي الهابطين من الطائرة"العجوز"الفارهة، لتذكرهم بأنهم في إحد البلاد الإفريقية. تماثيل الحيوانات في أنحاء المنتجع، على الجدران، وفي اللوحات وحتى على السقوف، في ممراته المفتوحة على الهواء الطلق. يشعر المتجه إلى غرفته أنه في متاهة"وحشية"ورسوم تتميز بمؤثرات صوتية وبصرية ضخمة. أصوات الحيوانات المنتشرة في حدائقه والتي تختلط بخرير المياه المتساقطة من شلالاته الاصطناعية، تجسّد فكرة الوجود في إحدى الغابات الأفريقية. تطاردك في الممرات الملاحظة المطبوعة على زجاج الشرفات في الغرف"إحذر القردة"، في إشارة إلى أن هذه الحيوانات قد تصل إلى شرفة غرفتك وتدخلها بحثاً عن الفاكهة. رفاهية"مجتمع التنك" يبقى المنتجع السياحي محور التجوّل في"مدينة الشمس"، إذ أن رحلة في الهليكوبتر فوق هذه المدينة، تُظهر أهمية"القصر الضائع"فيها. بعد جولة عشر دقائق، ينفذ فيها الطيّار خلالها حركات"متهوّرة"، يقوم بالهبوط على تلّة، ينتشر فيها العمّال مرحبين. مقاعد خشبية ووجبة سريعة، ومشروبات مختلفة، متوافرة لتأمين راحة زوّار the mountain of the sun أو جبل الشمس، المطلّ على مساحة خضراء شاسعة لا"يدنّس عذريتها إلاّ"القصر الضائع". من هذه التلة يستطيع السائح استطلاع أجزاء من القصر كشاطئ يتميّز بأمواج اصطناعية صاخبة لتكريس مظاهر الطبيعة وحصر نماذج عنها في المنتجع السياحي. سكان"مدينة الشمس"ذوو لغات عّدة، كل بحسب المنطقة أو القبيلة التي يتحدر منها، فاللغات في جنوب أفريقيا تصل إلى ست عشرة. وتمتاز كل قبيلة بتقاليد معينة ولغة مختلفة، يستطيع السائح في"مدينة الشمس"التعرف على بعضها كzulu وfanagalo وغيرهما من الأسماء، عبر فرق من الشبان يقدمون رقصات متنوعة تُعرّف بهذه القبائل. الرقصات الشعبية المتنوعة، والكلام الذي يُقدّم به الراقصون القبائل، يُطلق لمخيّلة السائح العنان لتصوّر نمط حياة هؤلاء، من دون أن يملك الفرصة لرؤيتهم من قرب، فالارتباط بجدول محدد من"الرفاهية"، يُبعد معالم ما سُمي سابقاً"مجتمع التنك"، ويجعل قومه بعيدين من الأنظار. طقس أفريقي لا بد منه! لجنوب أفريقيا أربعة فصول، معاكسة لتتابع الفصول التي نعرف. بداية الخريف في شهر تشرين الأول أكتوبر، هي بداية الربيع في جنوب إفريقيا، وينسحب هذا الأمر على الفصول الثلاثة الأخرى. فصول السنة في جنوب أفريقيا تبدأ في الأول من الشهر، وليس في الواحد والعشرين كما هو مُتعارف عليه. مع مرور شهر على بداية الربيع في جنوب إفريقيا، فرح المواطنون بهطول الأمطار على رغم أنها في غير أوانها. فالجنوب أفريقيون عانوا هذه السنة من شحّ المياه طوال اشهر الشتاء، ما يؤثر مباشرة في بلد يعاني ندرة المياه. على سبيل المثال، يُمنع زرع أشجار"الجاكاراندا"الضخمة التي تزهر وروداً بنفسجية اللون بداية الربيع، لأنها تستنفد كمية كبيرة من مخزون المياه في التربة. وقد انحسرت هذه الأشجار، التي جُلبت من ريو دي جينيرو عام 1988، من 100 ألف إلى 70 ألف. وفي رحلة إلى تخوم الحياة"الحقيقية"للمواطنين، تبقى ال Safari، جزءاً من الطقوس الأفريقية وجزءاً من السياحة فيها. وعلى رغم درجات الحرارة المنخفضة، فإن رحلة السفاري لا يمكن أن تفوّت. هي ك"ورقة اليانصيب"بوصف الكثيرين، تربح أو تخسر. وإن ربحت تنعم برؤية حيوانات الغابة وعلى رأسها"ملكها"وفي بيئتها الطبيعية. غير مدجنة أو مأسورة في أسياج حدائق الحيوانات. على مساحة آلاف الأمتار، تراهم يقتاتون بشكل طبيعي، ويتعايشون. والدليل السياحي يقدم الشرح الوافي عن حيوانات تراها للمرة الأولى. زفت أسود يشق الطريق بين جبال ترتع فيها الحيوانات، فينقل صورة من التمدّن الحاصل إلى عالمهم. إلاّ أن السيارات في هذه المنطقة تخضع لأهواء سكّانها فلا يمكن للسائق أن ينقر الزمور مستعجلاً قطيعاً من الغزلان أو حماراً برياً يقطع الطريق. هكذا تقف عقارب الساعة تلقائياً من أجل مراقبة حيوان يقطع الطريق في"مملكته"متبختراً!.