الزيارة الأولى التي يقوم بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى موسكو للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين تعيد الى الأذهان منظر الرئيسين على شاطئ في بحر البلطيق في قمة الدول الثماني في هايليغندام المانيا. كان ساركوزي عندها في الأيام الأولى من ولايته الرئاسية وتجربته الديبلوماسية، وبدا بمثابة صديق قديم لبوتين. وكان يحمل هاتفاً جوالاً ويتحدث عبره الى شخص ما ثم ناول هاتفه الى بوتين الذي تكلم مع الشخص نفسه. وجاءت صور هذه اللحظات لافتة، رغم إثارتها لتساؤلات حول الصديق المشترك الذي تحدث مع الرئيسين الروسي والفرنسي عبر هاتف الأخير. واستمرت التساؤلات من دون ان ينكشف سر هوية الصديق المشترك، إلا ان الصورة أوحت بود وانسجام بين الرئيسين. واليوم، وفيما يلتقي ساركوزي مع بوتين، فإن التساؤل هو ما إذا كان بإمكان الرئيس الفرنسي إقناع نظيره الروسي بسياسة فرنسا وأوروبا إزاء ايران. والتساؤل الآخر يتناول مدى قدرة ساركوزي على الحصول من بوتين على وعد بالسعي لدى حليفته سورية، لحملها على الاستجابة لرسائل الغرب بعدم عرقلة انتخابات الرئاسة في لبنان. وبالنسبة الى ساركوزي، وكما قال في خطابه أمام سفراء فرنسا، فإن انتخاب رئيس لبناني مستقل ضمن الموعد الدستوري هو الاختبار الحقيقي لعودة الحوار والتطبيع بين فرنسا وسورية. ففرنسا تعلق أهمية بالغة على الموضوع الايراني والسياسة السورية، اللذين يشكلان سببين اساسيين للتخوف الفرنسي من انفجار الأوضاع في المنطقة. وهناك قناعة فرنسية بأن احتمال حدوث عمل عسكري ضد ايران ومنشآتها النووية وارد، علماً بأن فرنسا ليست مع الخيار العسكري، إذ أنها تعتبر ان هذا الاحتمال كارثة. ولكن الأوساط الفرنسية المسؤولة تسودها قناعة مفادها ان الادارة الأميركية ستتخذ قراراً إزاء ايران في ربيع أو صيف 2008. والرئيس بوش يؤكد لكل محاوريه انه لن يترك الرئاسة الأميركية مخلفاً وراءه ايران قادرة على انتاج سلاح نووي. ويرى الفرنسيون ان هناك احتمالاً واحداً من أصل خمسة لحصول ضربة عسكرية على ايران. لذا فإن ساركوزي سيحاول اقناع بوتين بضرورة المضي قدما بتشديد العقوبات على ايران لأن الخيار الديبلوماسي أفضل من الخيار العسكري الذي سيشعل المنطقة. وتسعى فرنسا في كل الأحوال مع حلفائها الأوروبيين الى اعتماد عقوبات أوروبية عاجلة، تقضي مثلاً بمنع بعض المسؤولين في النظام الايراني أو المعنيين بالملف النووي من الحصول على تأشيرات دخول الى أوروبا، كما تنظر في إمكان شل الحركة الاقتصادية في ايران. فلو قررت الدول الاوروبية مثلاً وقف التعامل مع مصرف"ملي ايران"واغلاق فروعه في كل من لندن وروما وفرانكفورت وغيرها، فإن هذا سيشكل ضغطاً كبيراً على نظام طهران. أما الجانب الروسي فقد طلب المزيد من الوقت للنظر في تشديد العقوبات على إيران في الأممالمتحدة، إلا أن ساركوزي ووزير الخارجية برنار كوشنير، عبرا من خلال تصريحاتهما المتشددة تجاه إيران عن تخوفهما من ضربة عسكرية لا يتمنيانها. وهما يدركان أن خيار العقوبات هو الأفضل وكذلك الاستمرار في التفاوض. ولذا فإن فرنسا ماضية في التفاوض مع إيران، فيما تستخدم الأخيرة لبنان في مفاوضاتها مع الجانب الفرنسي، على رغم أن باريس تفصل بين الملف اللبناني والملف النووي الإيراني. في المقابل، فإن من مصلحة ايران الربط بين الملفين لتقول للفرنسيين إن تنازلهم في الملف النووي من شأنه أن يؤدي الى تنازل إيراني في الملف اللبناني. وترد باريس على هذا الموقف بالتأكيد أن من مصلحة طهران أن يسود الاستقرار في لبنان، لأن من مصلحتها أن يكون ل"حزب الله"موقع في لبنان المستقل. إلا أن عقلية"البازار"تسود الأوساط الإيرانية المسؤولة التي تريد المقايضة في كل الأمور. ولا شك أن روسيا ورئيسها الذي تربطه علاقة تاريخية بالنظام السوري وعلاقة متينة واقتصادية مع النظام الإيراني، قادران على التأثير في كلا الملفين. فهل بإمكان ساركوزي اقناع بوتين بأن مصالح روسيا مع أوروبا والغرب عموماً أكبر وأهم من ابقائها على دعمها لسياسات إيران وسورية التي تحمل خطر اشتعال الأوضاع في المنطقة؟ وإذا استمرت إيران في تطوير برنامجها النووي، فإن إدارة بوش، وكذلك الإدارة الديموقراطية التي يمكن أن تخلفه، عازمتان على منعها من التحول إلى قوة نووية. كما ان بقاء الوضع في لبنان على حاله، وعدم التوافق على انتخاب رئيس سيؤدي إلى قيام حكومتين وإدارتين وإلى استمرار التعطيل، ما يعني تدهور الأمور واشعال نار أخرى في المنطقة. فهل يعي بوتين هذه المخاطر ويقتنع بما يقوله له ساركوزي، أم أن طموح روسيا أن تعود ديبلوماسيتها إلى سابق عهدها في زمن الاتحاد السوفياتي، عندما كان هاجسها الأساسي التصدي لسياسات الولايات المتحدة؟