ليس من المنطقي أن نوقف عن العمل فريقاً يربح. اذاً ما العمل؟ بكل بساطة: نأخذهم أنفسهم ونبدأ من جديد. المعتادون على لغة التصريحات السياسية يمكنهم أن يعثروا، طبعاً، في السطور السابقة على مزج بين تعبيرين يكثر استعمالهما، ودائماً في معرض التبرير لعدم احداث أي تجديد. وبالأحرى: تبرير التقاعس عن اللجوء الى المخيلة لاستنباط أفكار جديدة، طالما ان ما كان استنبط من أفكار منتجة قد أثبت نجاحه. للوهلة الأولى قد يبدو هذا الكلام بعيداً من الموضوع الذي نتحدث عنه هنا، طالما ان الحديث يحاول أن يدنو من بعض النتاج السينمائي العالمي، الذي ستعرض أفلامه الجديدة خلال الشهور المقبلة. فمن طبيعة الأمور، منطقية، أن الأفلام الجديدة التي تعرض يجب أن تحمل جديداً يبرر جدتها هذه. غير أن ما يحدث الآن، وعلى صعيد الانتاج"الجماهيري"العالمي، كما على صعيد بعض الانتاجات المحلية في بلدان ذات صناعة سينمائية محلية مزدهرة وتجارية. هو ان الانتاج الجديد، ليس جديداً دائماً وبالمعنى الابداعي للكلمة: انه في أكثر الأحيان مجرد اعادة انتاج للقديم، محاكاة له، استكمالاً له، ضمن وضعية تقنع أصحاب القرار وأصحاب الانتاج بالتالي ان الجمهور العريض يجب دائماً أن يلتقي بما كان سبق له أن التقاه ونال رضاه، أكثر مما يجب أن يلتقي بجديد، غير مضمون. كانت هذه هي الحال دائماً، ولن تشذ هذه السنة عن القاعدة. وهكذا، منذ بدايات هذه السنة، وكما يحدث في بداية كل سنة، تبدأ وسائل الإعلام المتخصصة بالحديث عن ثلاث أو أربع دزينات من أفلام ستكون هي ذات السمعة الأكبر والأعرض خلال الشهور المقبلة. والغريب أن ثمة من بين وسائل الإعلام هذه، من"يمكنه"أن يحدد سلفاً المردودات المالية المتوقعة لبعض الأفلام، حتى حين تكون هذه الأفلام غير منجزة بعد. الإعلام للترويج لعبة؟ بالأحرى هو نوع من التلاعب المسبق، يزيد من حدّته وخطورته، معرفتنا أن جزءاً كبيراً من الإعلام المكتوب أو المرئي، المتخصص في مثل هذا النوع من الانتاج، صار جزءاً من اللعبة التجارية نفسها، بحيث إن من البديهي القول الآن ان مكانة الفيلم الجماهيرية لم تعد تتحدد بقيمته الفنية والترفيهية، بل بمقدار ما يمكنك أن تخصص له من موازنة اعلامية - اعلانية - تلاعبية تستبق عرضه وتمهد له. لكن هذا لا يمنع طبعاً من أن ثمة بين الحين والآخر أفلاماً تفرض نفسها وتجتذب جمهورها بقوتها وبفنية مخرجيها وأداء ممثليها، لا بلعبة التلاعب. لكن مثل هذه الأفلام يكون عليها، غالباً، أن تنتظر المهرجانات والعروض الفعلية قبل أن يكتب لها الرواج، وبالتالي... الخلود في تاريخ الفن السابع. أما بدايات السنوات فإنها، بالأحرى، للحديث عن التوقعات الضخمة. وبداية هذه السنة لا تشذ عن بدايات ما سبق. وان كان اللافت حقاً ارتفاع عدد الأفلام التي تنتمي الى مبدأ"فلنأخذهم أنفسهم ونبدأ من جديد". فهاري بوتر، يعود مرة أخرى في جزء خامس هذه المرة، والرجل العنكبوت يعود في مغامرة جديدة، وقبل أسابيع قليلة عاد جيمس بوند لاعب قمار هذه المرة. وقراصنة الكاراييب عائدون في رحلة جديدة لهم"حتى آخر العالم"كما يقول عنوان فيلمهم الجديد، الذي تلتقي فيه جوني ديب، باسمه الدائم جاك سبارو وقد تمكن من الافلات من وحش الماء الذي ابتلعه... وروكي، الملاكم ذو العضلات، يعود بدوره ودائماً تحت ملامح سيلفستر ستالوني الذي يصر في الفيلم الجديد على استخدام قبضتيه مع أنه لم يعد ذلك الشاب المنتفخ الأوداج. ويبدو أن ستالوني يعود أيضاً كمتسلق للجبال على غرار ما فعل قبل 12 سنة في"كليفهانغر"في استكمال لهذا الفيلم الأخير. كل هذه النوعية اذاً، تعود في عملية جرف أموال المتفرجين في شكل يقول إن لا جديد تحت الشمس. وفي شكل بات يجعل من كل فيلم ناجح، مجرد حلقة من سلسلة... سلسلة من النادر لأي فيلم جديد من أفلامها أن يقول ما هو مختلف حقاً عما كان قيل في الفيلم السابق. انه البعد الترفيهي وقد انتصر بامتياز. غير أن هذا لا يعني، في الوقت نفسه، أنه لن يكون في وسعنا أن نتوقف طوال الأشهر المقبلة عند عدد من الأفلام"التجديدية"من دون أن تكون مجرد أفلام مهرجانية أو نخبوية؟ لن يخلو الأمر من وقفات مثل هذه. وقفات فيها أسماء أفلام قد لا تعني منذ الآن شيئاً وقد يعني الكثير ولكن يمكنها أن تحفظ لفن السينما توازنه بين كونه صناعة ورساميل من ناحية، وكونه فناً مسؤولاً عن قول ما هو جديد، أو على الأقل، عن تأمين أدوار مشرفة لفنانين ممثلين ينتظرون عادة مثل هذه المناسبات لتوكيد حضورهم الفني. كبار عائدون في هذا السياق يبدو من الأخبار الجيدة أن بعض كبار الممثلين عائدون هذه السنة في أفلام جديدة لهم. وفي مقدم هؤلاء نيكول كيدمان الغائبة منذ فترة. نيكول عائدة في فيلم علينا انتظار أعياد الميلاد المقبلة قبل مشاهدته، أو بالأحرى، مشاهدة جزئه الأول. فهو"ثلاثية"تنتمي الى نوع الملاحم الغرائبية. عنوان الجزء الأول"ممالك الشمال". والثلاثية مأخوذة من رواية معروفة لفيليب بولمان. جورج كلوني بدوره عائد حتى وان كان من الصعب القول انه غاب طويلاً. لكن عودته لافتة، لأن فيلم هذه العودة"الألماني الصالح"يبدو منتمياً اليه حتى وإن كان من اخراج صديقه ستيفن سودربرغ. فالفيلم بالأسود والأبيض. موضوعه يتراوح بين البوليسي والسياسي التاريخي، مع لمحة غرامية اذ ان كلوني يمثل فيه دور صحافي يعود الى برلين بعد الحرب العالمية الثانية ليلتقي حبيبته القديمة... وكذلك جريمة في انتظاره. دافيد فينشر، صاحب"سبعة"وپ"غرفة الرعب"، يعود بدوره وراء الكاميرا من جديد، محاولاً أن يحقق نجاحاً لم يقيض له منذ"سبعة". ومن هنا نراه اختار موضوع مطاردة سفاح من سان فرانسيسكو قتل كما يبدو 37 شخصاً ويحمل لقب"زودياك"عنوان الفيلم... ويتنقل بين ولاية أميركية وأخرى خلال أكثر من 12 سنة بين 1966 وپ1978. عائد آخر وراء الكاميرا... ولكن بعد غياب طويل: بعد غياب 13 سنة: روبرت دي نيرو، الذي بعد كل السنوات التي مرت منذ حقق"كان يا ما كان في البرونكس"، أنجز فيلماً جديداً هو"الراعي الصالح"عن حياة مؤسس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ادوارد ويلسون مات دامون. في الفيلم الجديد هذا، يلعب دي نيرو دوراً... لكنه دور صغير مقارنة بدور دامون الذي تقف انجلينا جولي في مقابله. مقابل ثنائي دامون جولي، ثمة ثنائيان آخران تنتظرهما الشاشة الكبيرة بشغف. أولهما سيطل قريباً، والثاني علينا انتظاره تسعة أشهر على الأقل. فليوناردو دي كابيرو وجنيفر كونالي باتا حاضرين لمغامرة"الماس الدامي"في فيلم ادوارد زيفيك الذي بدأت عروضه الأميركية وبدأ يثير السجالات والجدل مع كبريات شركات انتاج الماس. أما ثنائي جود لاو ناتالي بورتمان، فلن يطل إلا في أيلول سبتمبر المقبل وربما، اذاً، في مهرجان البندقية - في فيلم يثير قدراً كبيراً من تشوق وتطلع هواة السينما: انه"ليالي بلوبيري"، أول تجربة أنغلو ساكسونية لوونغ كار وي. الفيلم عاطفي رقيق وفيلم رحلة وطريق في الوقت نفسه. واذا كنا ذكرنا جود لاو هنا، فإن علينا ألا ننسى حضوره في ثنائي آخر، مع جولييت بينوش هذه المرة. ولكن، أهم من هذا، في لقائه الثالث مع صديقه المخرج انطوني مينغيلا الذي كان قبل عشر سنوات أعطى بينوش واحداً من أجمل أدوارها خارج فرنسا في"المريض الانكليزي" الفيلم الجديد هو"من طريق الكسر والخلع". ولا يغشّننا العنوان هنا، فالموضوع عاطفي أساساً، عن قصة حب ميلودرامية بين مهندس لندني ولاجئة بوسنية. مجابهة بين الحضارات من طريق حكاية حب؟ ربما، غير أن الباحثين حقاً عن مشاهدة مثل هذه المجابهة على الشاشة لن يطول انتظارهم طويلاً. اذ ما ان يطل الشهر الثالث حتى يصل الى الشاشات فيلم عنوانه"300"وهو من اخراج زاك سنايدر. أما الرقم فإنه يحيل الى عدد الجنود اليونانيين الذين أجهز عليهم الجنود الفرس خلال معركة تيرموبيليس، التي دارت بين هؤلاء وأولئك، مئات السنوات قبل الميلاد. بقي أن نذكر أن هذا الفيلم مقتبس من رواية مصورة للكاتب الرسام فرانك ميلر، صاحب الأصول التي أخذ عنها فيلم"سن سيتي"مدينة الخطيئة لروبرتو رودريغز، ما يعيدنا مرة أخرى الى الفيلم الثاني الذي ينجزه رودريغز عن أجزاء أخرى من سلسلة"سن سيتي". في انتظار المهرجانات مهما يكن فإنه لن يكون في وسعنا اختتام هذا العرض الأول لبعض علامات السنة الجديدة، من دون الإشارة، من ناحية الى عودة لافتة لأمير كوستوريتسا، ومن ناحية ثانية الى عودات لبعض المخضرمين الكبار. فإذا كان كوستوريتسا يعود في فيلم عن مارادونا، سيكون من أبرز الأحداث السينمائية لهذه السنة، فإن كلينت ايستوود يعود، من دون أن يكون قد غاب طويلاً، في الجزء الثاني من ثنائيته عن الجانب الأميركي - الياباني من الحرب العالمية الثانية: اذ ها هو يتبع"رايات آبائنا"وجهة النظر الأميركية، بپ"رسائل من ايوجيما"الذي يحمل وجهة النظر اليابانية في المعركة نفسها. حسناً... قد لا يكون ايستوود مخضرماً الى هذا الحد. لذا، لتأمين حضور المخضرمين سننظر ناحية ميلوش فورمان صاحب"هير"وپ"اماديوس"بين تحف أخرى، الذي يعود بعد غياب وفي ركابه"أشباح غويا"عن فنون وغراميات الرسام الاسباني الشهير. وفي المقابل علينا توقع عودة الألماني فرنر هرتزوع، بعد غياب غير طويل في عمل سيبدو مستغرباً منه:"فجر الانقاذ"لأن الفيلم عن بعض بطولات مثيرة للجدل، في أعمال بحارة الجيش الأميركي! أما دافيد لينش، الذي على رغم كل الصخب وحضوره الدائم في الإعلام، فإنه يقدم هذا العام، أول فيلم له منذ"مالهولاند درايف"، وهو"امبراطورية الداخل"الذي ستتاح لنا فرص كثيرة للحديث عنه خلال الشهور المقبلة، كما سيكون حالنا مع مايكل ونترباتوم، الذي يعطي انجلينا جولي واحداً من أدوارها الأساسية والغريبة في فيلمه الجديد"قلب جبار". الى حد ما، هكذا تبدو صورة العروض السينمائية للسنة التي بدأت لتوها. وهي نؤكد مرة أخرى لا تأخذ في اعتبارها"مفاجآت"متوقعة من دون أن تكون تفاصيلها حاضرة: هي متوقعة فقط لأن المهرجانات الثلاثة أو الأربعة الكبرى، لم تعلن بعد اختيارات دوراتها الجديدة. ومن هنا يظل من دون جواب، ذلك السؤال الذي قد يدور منذ الآن من حول بعض الأسماء"المهرجانية"الكبيرة، مثل دافيد كروننبرغ، آتوم ايغويان، جين كامبيون، شبن كيفي وحتى وودي آلن والذي يبدو ان مغامرته اللندنية ستتواصل والأخوين كون وحتى أوليفر ستون الذي يبدو جم النشاط منذ فترة...