من السهل الاسراع الى التأكيد أن مصير خطة الرئيس بوش في العراق سيكون الفشل. ومن السهل القول إن بوش يكرر خطأ الرئيس ريتشارد نيكسون الذي ظل يغرق في فيتنام ويُغرقها بالقوات والأموال والضحايا الى ان انقذته ديبلوماسية هنري كيسنجر واتاحت له ذلك الانسحاب المهين الذي سجلته عدسات الكاميرات من سطح السفارة الاميركية في سايغون. من المنطقي الاستنتاج كذلك ان بوش رمى بنتائج الانتخابات النصفية وبتقرير بيكر - هاملتون في سلة القمامة واستخف بالرأي العام الاميركي وبمواقف عالمية تقارب الاجماع. من السهل الرقص فرحاً امام بشائر المهانة الاميركية لولا أن المعركة الفاصلة المقبلة، التي يجري الحديث عنها، ستجري في شوارع بغداد، ولولا أن"المستنقع"الذي اصبح صفة الوضع العراقي، يعيش فيه مواطنون عرب، وهم ذاتهم اول الغارقين في وحوله، قبل القوات الاميركية والبريطانية وأكثر منها بأضعاف. التشفي بما آلت اليه المغامرة الاميركية في العراق مباح لولا أن هذه المغامرة تحصد في طريقها، وستحصد مستقبلاً ارواحاً عراقية. والاستغراق الاميركي في الهزيمة له أثمان كثيرة، سيدفعها الرئيس بوش وحزبه الجمهوري وسمعة الولاياتالمتحدة ايضاً. لكن الثمن الأكبر في ما يخصنا، هو الاثر المدمر على وحدة العراق وتماسكه وعلى امكانية قيامه بلداً موحداً من هذه الورطة. الاستراتيجية الجديدة في العراق التي وُصفت بأنها آخر الدواء، أي الكي، تنبئ بمخاطر على الوضع العراقي الداخلي تفوق بكثير ما بلغته الامور الى الآن. انها تشكل تحولاً جذرياً في اسلوب عمل القوات الاميركية يلتقي مع نظرية بوش القائمة على تحميل ايران اولاً، وسورية في الدرجة الثانية، المسؤولية المباشرة عن مأزقه في العراق. هذا التحول لن يقتصر على حدود العراق وحدها. فالرئيس الاميركي كان واضحاً في التأكيد ان قواته ستسعى الى قطع طرق الامدادات من سورية وايران الى المقاتلين الذين يهاجمونها، كما ستدمر الشبكات التي توفر التدريب والسلاح لأعداء اميركا في العراق. والاستنتاج الوحيد الذي يقرأه المعلقون من ذلك أن الحرب الاميركية في العراق تتجه الآن لتصبح حرباً اقليمية، تستهدف ايران من خلال استهداف حلفائها الممسكين بالسلطة في بغداد. الاشارات الى ذلك كثيرة ومتكررة في الفترة الاخيرة. توقيف"ديبلوماسيين"ايرانيين، كان آخرهم خمسة عاملين في"مكتب ارتباط"في اربيل، وهو"الحادث"الثاني من نوعه، وادى الى اول انتقاد علني لعمل القوات الاميركية من اقرب حلفائها، أي من المسؤولين الاكراد. ودفع وزير الخارجية هوشيار زيباري الى القول صراحة:"لا نريد ان يتحول العراق الى ساحة لتصفية الحسابات مع بلدان اخرى". الى جانب ذلك كان ارسال حاملة طائرات اميركية ثانية الى مياه الخليج، أوضحت واشنطن انها ستتمركز قبالة الشواطئ الايرانية. وعمليات استنفار مكثفة لمواقع الوجود الاميركي حول المنطقة. مسؤولية هذا التحول، أي استباحة العراق وجعله ساحة للصراعات الاقليمية، تقع بالدرجة الاولى على القادة في بغداد. لو اتاح هؤلاء او سعوا، الى قيام بلد موحد، غير موغل في النزعات الطائفية والمذهبية، لما كانت هناك حاجة في الاصل الى استراتيجية اميركية جديدة، ولكانت شروط الانسحاب الاميركي متوافرة وسهلة. لكن"استمراء"هؤلاء للدعم الاميركي ومحاولة"استخدامهم"له بهدف السيطرة على مقدرات العراق هو الذي يدفع الآن الى اعادتهم الى احجامهم الطبيعية على يد القوة التي جاءت بهم اصلاً الى الحكم. سوف يدرك القيمون حالياً على الامور في العراق أن الدعاء لمقتدى الصدر بينما صدام حسين يلفظ انفاسه الاخيرة، والرقص حول جثته الذي تباهى نوري المالكي به واعتبره"امراً طبيعياً"، كانا سلفة اميركية تم تقديمها لفريق رئيس الحكومة ول"جيش المهدي"مقابل الفواتير المقبلة التي ستواجههم. لم يكن ذلك السلوك بالتأكيد مدخلاً سليماً الى الوحدة الوطنية بين العراقيين والى طي صفحة العداوات الموروثة وارتكابات النظام السابق. كذلك لن تكون حملة بوش الموعودة على المجموعات المسلحة في العراق، وفي طليعتها"جيش المهدي"، مدخلاً لمثل هذه الوحدة. ولكن... هل يصح تحميل جورج بوش مسؤولية ضرب مشروع الوحدة العراقية اكثر من تحميلها للقوى التي جاءت الى الحكم اصلاً تحت شعار انقاذ العراق واصلاح مفاسد الماضي؟