لم يعاقب صدام حسين الولاياتالمتحدة، عاقب العراقيين أولاً، وكان عقابه لهم طويلاً ومريراً. قتل العراقيين وقتل العراق. لا حاجة الى الأدلة. "المقابر الجماعية" تكفي. وعداء حاكم للولايات المتحدة لا يمنحه حق الفتك بالناس على هذا النحو. والصمت الطويل على جريمته الشاسعة يدين كثيرين في المنطقة وبينهم الإعلام العربي. وعلاوة على أبناء شعبه عاقب صدام حسين ايران والايرانيين. ولم يكن سراً ان تلك المغامرة المجنونة اثلجت صدر الولاياتالمتحدة التي كانت رأت ديبلوماسييها يتحولون رهائن في سفارة بلادهم في طهران. كانت لدى الغرب رغبة في معاقبة ثورة الخميني واحتوائها ودفعها الى داخل حدودها. تطوّع صدام حسين. انجز المهمة باقتدار مبدداً دماء العراقيين وقدرات البلد. ومن تلك المغامرة المدوية عاد القائد منتشياً بالنصر ومبللاً بالمرارات. داوى الرئيس العراقي المغامرة الأولى بما هو أدهى. وبغزو الكويت سيعاقب العراقيين والعرب. ففي ذلك اليوم فتح الباب واسعاً لتدفق القوات الاميركية الى المنطقة. ومن دونها كان في استطاعة صدام ان يقيم طويلاً في "المحافظة" التي أعلن عودتها الى الخريطة. وفي هذه الرحلة الباهظة استخدم صدام اسلحة الدمار الشامل ضد اثنين: الأكراد والايرانيين. لم يكن صدام حسين عميلاً للولايات المتحدة. ولا صحة للسيناريوهات التي تبنى على أساس ان السفيرة الاميركية ابريل غلاسبي شجعته بأجوبتها الغامضة على غزو الكويت. والأكيد ان مغامرات صدام وفرت للولايات المتحدة أكثر من فرصة للانتشار في المنطقة والإقامة فيها، فيما انزلت عقاباً شديداً بالعراقيين والعرب والمسلمين. في 11 ايلول سبتمبر أراد اسامة بن لادن اغتيال رموز هيبة الولاياتالمتحدة ونجاحاتها. أراد معاقبة اميركا والاميركيين. كانت الضربات مؤلمة بالتأكيد، لكن "الهجمات المباركة" ستتحول سريعاً الى عقاب للعرب والمسلمين. أراد زعيم "القاعدة" إذلال اميركا وربما استدراجها الى وعورة افغانستان واستنزافها هناك. لم يفوّت صقور الإدارة الاميركية الفرصة. من ركام برجي مركز التجارة العالمي خرج جورج بوش الإبن جنرالاً. منح الاميركيون رئىسهم تفويض ترجمة حضور "القوة العظمى الوحيدة" ولو اقتضى الأمر دهم الأخطار البعيدة قبل استفحالها وإعادة تشكيل أنظمة ومناطق. وبمعنى ما فإن الطائرات التي أطلقها بن لادن في 11 ايلول قتلت مع سكان البرجين نظام صدام حسين. الرغبة في معاقبة الامبراطورية تحولت فرصة لها. ما كان للولايات المتحدة ان تفعل ما تفعله اليوم لولا 11 ايلول الذي تحول عقاباً للعراقيين والعرب والمسلمين. في هذا السياق يمكن وضع الهجوم الارهابي الذي كانت الرياض مسرحه. فهل يشكل هذا العمل بمكانه ومجرياته وهوية ضحاياه عقاباً للولايات المتحدة أم لغيرها؟ ان ردود الفعل السعودية والعربية والاسلامية والدولية تظهر ان الهجوم دعّم حجج اميركا بدلاً من اضعافها، وعاقب عرباً ومسلمين قبل ان يعاقب اميركيين ويوفر لبلادهم فرصة جديدة.