في مثل هذا الوقت من كل عام ينشغل طلاب الجامعات المصرية بالتحضير لعام دراسي جديد، عبر إخضاع خزانة الملابس لعملية تبديل جذرية، والتزود جديد عالم الصرعات الشبابية، وإخضاع مكتب المذاكرة إلى جردة للتخلص من كل ما يمت بصلة لعام دراسي مضى، وإبرام صفقات واتفاقات مع الزملاء حول وسائل النقل المقترحة للعام الجديد. لكن هناك فئة أخرى من الطلاب تعتبر مثل هذه التحضيرات نوعاً من الرفاهية مقارنة بتلك التي يقومون بها. أولئك هم الطلاب غير المقيمين في القاهرة الذين جاؤوا إليها إما من محافظات أخرى أو من دول عربية أو أجنبية طلباً للعلم في جامعاتها وهو ما يعني بالضرورة إعادة تأسيس بيت موقت يفي بالغرض أثناء العام الدراسي. وبالطبع فإن مفهوم البيت يختلف من طالب الى آخر ومن شريحة اجتماعية اقتصادية الى أخرى. والأغرب من ذلك هو أن جنس الطالب يؤثر في مفهوم البيت الموقت ومواصفاته. حسين وذاكر وتوحيد ثلاثة طلاب أفارقة يدرسون في كليات جامعة الأزهر في القاهرة. مضت على إقامتهم الدراسية في العاصمة المصرية ثلاثة أعوام جربوا خلالها كل أنواع الإقامة، سواء في المدينة الجامعية حيث يقطن طلاب الأزهر الوافدون، أو في فنادق نجمة واحدة أو ما دون في المنطقة المحيطة بالجامعة. واستقر بهم الحال في شقة مفروشة متواضعة. الشقة التي يقيمون فيها تتكون من غرفة نوم صغيرة وصالة أصغر وحمام متواضع ومطبخ متهالك. يتقاسم اثنان منهما غرفة النوم وينام الثالث على الأريكة في الصالة ولذلك يدفع مبلغاً أقل من زميليه. وعلى رغم أن عقد الإيجار يشير إلى الشقة على أنها"مفروشة"، فإنها لا تحوي سوى فراشين وأريكة ومقاعد أكثرها مكسور. أما المطبخ فقد استلموه خالياً إلا من موقد عتيق وبضعة صحون وأوانٍ غير صالحة للاستخدام، لذلك اشترك الثلاثة واشتروا آنيتين للطهي وستة صحون وعدداً محدوداً من أدوات المائدة. أما الأدوات الكهربائية فغير مدرجة في ميزانية الطلاب الثلاثة الذين يعيشون على رواتب شهرية ضئيلة بالكاد تكفي احتياجاتهم الأساسية. وعلى الجانب الآخر من القاهرة، تتقاسم كل من تميم ومايا وديانا وهن طالبات من الأردن ولبنان وفلسطين، شقة مفروشة في حي الزمالك الراقي. الشقة هذ المرة مفروشة فعلاً، فهي مجهزة بكل الأثاث ومعدات المطبخ الأساسية والفرعية. كما أنها مزودة جهاز تلفزيون ضخم وجهاز"دي في دي"وستريو. وتقاسمت الطالبات الثلاث ثمن جهاز"مايكروويف"وغلاية مياه لتجهيز الشاي والقهوة وماكينة إكسبرسو صغيرة. وهذا العام اشترى والد تميم سيارة مستعملة لها في حالة جيدة لتسهيل انتقالها الى الجامعة الخاصة التي تدرس فيها. وتساهم زميلتاها بثمن وقود السيارة التي تقطع بهن شوارع القاهرة طولاً وعرضاً لأغراض ترفيهية إضافة إلى مهمتها الرئيسة بالانتقال من الجامعة وإليها. وفي المدينة الجامعية التابعة لإحدى الجامعات الرسمية، تستعد سامية الوافدة من محافظة الفيوم لتحقيق حلمها بدراسة الطب، لكن استعداداتها مختلفة شكلاً وموضوعاً. فقد ابتاعت لها والدتها طقمين جديدين من ملاءات الفراش الصغير المخصص لها في الغرفة الضيقة التي ستشاركها إياها طالبة أخرى لا تعرف عنها سوى اسمها والمحافظة التي تنتمي إليها. حقيبة سامية الجاهزة للانتقال إلى القاهرة بين لحظة وأخرى تحوي ايضاً غطاء صيفيًا خفيفًا وآخر من الصوف للشتاء ومناشف، وصابوناً وسكراً وشاياً وزيتاً وأدوية برد وسعال وصداع ومغص وسجادة صلاة ومصحفاً وتعويذة لحمايتها من كل شر، إضافة إلى أكياس بلاستيك صنعت خصيصاً لوضعها على"التواليت"المشترك الذي ستستخدمه عشرات الطالبات غيرها، وعبوة مبيد للحشرات. وتحمل سامية معها إضافة إلى ملابسها وأوراقها وتموينها وتحذيرات وتعليمات تتعلق بمواعيد العودة إلى المدينة الجامعية، وعدم مصادقة الغرباء، وعدم"التباسط"مع الطالبات من زميلاتها إلا بعد إخضاعهن لعملية تقويم وتحليل واختبار. أما الحِمل الأخير فهو جهاز محمول ببطاقة مدفوعة مقدماً شرط ألا تزيد قيمتها على 25 جنيهاً شهرياً يدفعها والدها لتعطي العائلة missed call صباح كل يوم يطلبونها بعده. أما السكن الجامعي التابع للجامعة الأميركية في القاهرة فالوضع فيه مختلف تماماً. الجو العام في السكن يعكس قدراً غير قليل من الراحة والأناقة وذلك متوقع في ضوء المبلغ الذي سدده الطلاب والطالبات ويبلغ أضعاف أضعاف ما تتقاضاه الجامعات الرسمية. نسبة كبيرة من الطلاب الوافدين الى الجامعة الأميركية، والمقيمين في سكنها لا يصطحبون معهم سوى حاجاتهم الشخصية. بعضهم يحب إضفاء جو خاص على الغرف من طريق شراء نباتات ظل ولوحات ورقية ودمى إضافة إلى صور فوتوغرافية للأهل والأصدقاء... وبالطبع الكومبيوتر المحمول.