يعيش الشاب السعودي عمرو مندورة 21عاماً، في السكن الداخلي التابع ل "جامعة الملك فهد للبترول والمعادن" في الدمام منذ نحو عامين ويتقاسم مسكنه مع أخيه الأكبر، أحمد. هذه ليست أول تجربة للشابين السعوديين يعيشان فيها بمفردهما، فقد سبق لهما فعل ذلك في سكن داخلي في الأردن خلال المرحلة الثانوية، تلتها تجربة جامعية في الولاياتالمتحدة قبل أن يقررا العودة لاستكمال دراستهما في السعودية. السبب الرئيس الذي دفع الشابين إلى العودة هو ما شاع عن بعض المضايقات التي يتعرض لها الشبان العرب والمسلمون في الولاياتالمتحدة. على رغم ذلك يحن عمرو إلى أيام "أميركا" والدراسة فيها "لكن الوضع هنا ليس سيئاً كما قد يتخيل للبعض" يضيف الشاب موضحاً أن لوضعه الجديد حسنات عدة، لكنه يعتبر أن العيش بمفرده هو أصعب في السعودية منه في الولاياتالمتحدة. ويعتبر أن ثقافة "الاستقلال عن الأهل" تصلح أكثر في الخارج، ويؤكد أنه لو أختار أن يتابع دراسته في جدة، حيث يقيم أهله، لما ترك البيت أبداً. ويستطرد قائلاً: "طبعاً إلى حد عمر معين ... بعد ذلك يجب على الشخص الاستقلال والزواج... ولكن حتى بعد الزواج تبقى العلاقة قوية مع الأهل". ويوافق الكثير من الشبان على هذا الرأي، باعتبار أن المنزل العائلي يوفر عناصر عدة، منها الجو الحميم والاستقرار المادي والنفسي. وذلك لا يعني أن المجتمع السعودي يخلو من الشبان "الاستقلاليين"، وهؤلاء هم في معظم الحالات خريجو الجامعات الأجنبية الذين عادوا من الخارج للعمل في السعودية. فبعد سنوات من العيش بمفردهم يصعب على البعض منهم التأقلم من جديد مع العائلة، فينتقلون للعيش في "استوديو" أو شقة صغيرة، ومنهم من يبني لنفسه طابقاً خاصاً في منزل العائلة. أما الجامعيون السعوديون الذين يتوجهون إلى مدن أخرى داخل المملكة بدافع التحصيل العلمي فيضطرون لمغادرة المنزل والسكن في شقق مفروشة أو سكن الجامعة الداخلي. ويوضح عمرو أن السكن في الجامعة له ايجابيات عدة، كون الجامعة توفر خدمات الأمن والحماية والمواصلات الداخلية، إضافة إلى مطعم للطلاب وبقية التسهيلات مثل المختبرات والملاعب الرياضية. إلى ذلك فإن عنصر التوفير المادي يلعب دوراً مهماً، ففي حين قد يدفع الشاب الذي يستأجر شقة مفروشة نحو 1200 ريال شهرياً 320 دولاراً يدفع زميله مبلغاً مقارباً للفصل الدراسي بأكمله في سكن الجامعة. وتتفاوت أسعار سكن الجامعة بحسب الخدمات المطلوبة، فالسكن الBasic لا يكلف الطالب أكثر من 800 ريال في الفصل، ويحصل في المقابل على غرفة يتشارك فيها مع طالب آخر، مجهزة بسرير ومكتب وخزانة وكراس. أما المستوى الثاني فيدفع فيه الطالب 1300 ريال لينعم بالتكييف والهاتف والانترنت. أما مقابل 1500 ريال فيحصل الطالب على التكييف المركزي و"كابل" التلفزيون. لكن الشيء الوحيد "المزعج" بالنسبة إلى البعض هو أن كون الحمامات مشتركة بين جميع النزلاء. ولا يستطيع الطلاب أن يقوموا بتحضير طعامهم بأنفسهم كون الإدارة تمنع "البوتاغاز" داخل الغرف. وتوفر الجامعة الوجبات الثلاث يومياً في ساعات محددة. لكن مع تضارب أوقات المحاضرات وفوضوية الحياة الجامعية يلجأ الكثير من الشباب إلى محلات الوجبات السريعة والDelivery والFood Court في المجمعات التجارية التي تعتبر أهم متنفسات الشباب بشكل عام في السعودية. ويعتبر أحمد شقيق عمرو أن من أهم فوائد العيش بعيداً عن الأهل، وفي مثل هذا الجو الشبابي هو "الصداقات التي يكونها الشخص". ويقول: "فنحن زملاء في الصف... وبعد الدراسة نحن جيران". ويضيف: "ميزة العيش في السكن هو أن النشاطات الاجتماعية والرياضية تجمعنا دوماً خصوصاً أن لا قيود على أوقات الدخول والخروج". فمثلاً يرتب أحمد وعمرو وزملاؤهما رحلات بالسيارة إلى البحرين التي تبعد نصف ساعة من الدمام أو ينظمون مباريات في كرة القدم، وبالطبع يبقى المقهى هو الملتقى المحبب بعد نهاية يوم حافل. أما بخصوص الشابات، فالوضع يختلف، لان الأنظمة الداخلية لمباني الشقق المفروشة كما في الفنادق تحظر عليهن استئجار مسكن خاص بهن سواء كن طالبات أم عاملات، إن لم يكن برفقة "محرم شرعي". وتقول شابة سعودية ، طلبت عدم ذكر اسمها: "حتى لو سمحت لي عائلتي بأن أعيش وحدي فالكثيرون في المجتمع سيسيئون الظن بي ويعيرونني". أما الطالبات فيلجأن إلى سكن الجامعات النسائي المتوافر في بعض الجامعات فقط، مثل جامعة الملك عبد العزيز في جدة، وهناك يخضعن للقوانين الصارمة بحيث تمنع النزيلة من الخروج من المبنى إلا بإذن خاص وبرفقة "أوصياء" معروفين من ولي الأمر.