اسمها "الجامعة الاميركية في القاهرة"، لكنها بمبناها الحالي يجب أن تكون "الجامعة الاميركية في قلب القاهرة"، فهي تقع في ميدان التحرير، أو "وسط البلد" كما يطلق عليها سكان مصر. وفي هذه الجامعة حيث يدرس ما يزيد على 4500 طالب وطالبة للحصول على درجة البكالوريوس، إضافة الى 34 ألف طالب في الأقسام المختلفة، يتوافد طلاب من نحو 60 دولة إما لإكمال دراستهم أو لتمضية عام دراسي واحد في قاهرة المعز. ويشكل الطلاب الاميركيون نسبة كبيرة من الطلاب الأجانب في الجامعة، معظمهم يأتي للدراسة لفصل أو فصلين والبعض يلتحق بالجامعة بحكم عمل الأب أو الأم في مصر او إحدى دول المنطقة. وتقول مديرة شؤون الطلاب الأجانب في الجامعة السيدة تماضر رفعت إن الطلاب الاميركيين كانوا يتوجهون إما الى أوروبا أو الشرق الأقصى أو إسرائيل، لتمضية العام الدراسي في الخارج، وهو النظام المعروف بYear Abroad Programme "لكن هذا الوضع تغير في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات وتحديداً في أعقاب حرب الخليج الأولى، ومنذ أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001 زادت الأعداد في شكل غير مسبوق". وتعلل رفعت هذه الزيادة غير المتوقعة بحب الاستطلاع ورغبة الشباب الاميركي في التعرف عن قرب الى البلدان التي تخرج منها محتويات نشرات الاخبار. وتقول: "الشباب في اميركا تتنامى لديهم الرغبة في تعلم ما يحدث في العالم من موقع الحدث". وعلى رغم المخاوف المبالغ فيها التي بثها الاعلام الغربي على مدى الأشهر الماضية عن رعب الاوروبيين والاميركيين من السفر الى المنطقة، الا ان مخاوف الطلاب الوافدين الى مصر تنحصر في مصير ساعاتهم الدراسية في حال حدوث مشكلة امنية، واضطرارهم الى المغادرة. وبحكم موقع الجامعة القريب من احياء مصر الراقية والشعبية والتجارية في آن، فإن الاختيارات السكنية المتاحة امام الطلاب كثيرة، هذا إضافة الى وجود بيت سكني للطلاب تابع للجامعة في حي الزمالك في القاهرة. وتقول السيدة تماضر رفعت إن مكتبها ينظم فاعليات عدة للطلاب الاجانب في بداية كل فصل دراسي، واهم تلك الفاعليات جلسات لتعريف الطلاب الوافدين بأساسيات العيش في المجتمع المصري، من سبل التعامل مع الباعة في الشارع، والمواصلات، والأماكن التي تستحق الزيارة، وارشادات خاصة بالسكن. وتضيف رفعت: "هناك من يطلب حجز غرفة في السكن الجامعي، لكن كثيرين يفضلون السكن في شقق منفصلة، باعتبار أن الانخراط في المجتمع المصري بعيدٌ من أسوار الجامعة وسكنها، حتى إن طالباً اختار ان يسكن في حي شبرا الشعبي". جاستين هويتن طالب اميركي عمره 21 عاماً يدرس في جامعة كولورادو في قسم الهندسة والعلوم التطبيقية، جاء الى مصر في الفصل الدراسي الماضي حيث درس في الفرقة الثانية. كان حلم هويتن أن يمضي عاماً دراسياً في دولة اسلامية، ويقول: "لم أكن أريد أن أذهب إلى فرنسا او اسبانيا، أردت تجربة مختلفة". النقلة الحياتية التي خاضها هويتن كانت حادة، فهو لم يزر أي دولة اسلامية أو عربية من قبل، ولم يكن قبل وصوله مصر يتحدث العربية، بل انه لم يحتك طوال حياته بأي شخص مسلم أو عربي. ويقول: "قبل وصولي الى مصر، كانت فكرتي نمطية، تخيّلت أن كل شيء مغطى بالرمال، إضافة الى الأعمال الارهابية التي استهدفت السياح قبل أعوام". وعلى رغم هذا اختار هويتن لدى وصوله ان يستأجر شقة في منطقة "سعد زغلول" المتاخمة للجامعة، لكنها منطقة ذات طبيعة خاصة، ففيها هيئات حكومية، وأسواق شعبية، وبيوت لابناء الطبقات المتواضعة. "كان هناك مقهى في العمارة التي اقطن فيها، ودأبت على التردد عليه في الامسيات حيث كنت اجلس مع مجموعة من الرجال لتدخين الشيشة، وعلى رغم أنني لا أدخن، إلا أنني كنت أشاركهم وأشرب الشاي معهم حتى تكون التجربة مكتملة". وعلى رغم أن زملاء هويتن في المقهى راودتهم شكوك حول سبب جلوسه معهم، الا انهم سرعان ما تأكدوا من أنه مجرد طالب اميركي جاء الى مصر باحثاً عن تجربة جديدة واثراء لحياته الدراسية. المشكلة الوحيدة التي تعرض لها هويتن اثناء سكنه في منطقة "سعد زغلول" الشعبية كانت عدم تقبل "البواب" والجيران لفكرة استقباله لزميلات كن يترددن عليه سواء للزيارة او الاستذكار. وعلى رغم ان هويتن انتقل حالياً الى شقة في حي "المهندسين" الراقي، الا انه ما زال يواجه هذه المشكلة، يقول: "البواب غير مقتنع بأن زميلاتي يأتين للزيارة فقط". وباستثناء مشكلته مع البواب، فإن هويتن لم يواجه عقبات تذكر اثناء اقامته في مصر طوال الاشهر السبعة الماضية، يقول: "ما زال البعض يعاملني في الشارع باعتباري سائحاً، ودائماً يحاول سائق سيارة الاجرة ان يحصل مني على 15 جنيهاً للرحلة التي لا يدفع فيها الا ثلاثة جنيهات وتلك مشكلات بسيطة لا تضايقني". لكن هويتن يقول انه ينصح اصدقاءه في الولاياتالمتحدة الاميركية الذين يفكرون في المجيء الى مصر بضرورة الاعتماد على العلاقات والاصدقاء في مصر، ويقول: "هي عصب الحياة، ومن دونها لن يستطيع احد أن ينجز المهمات والمستندات الحكومية المطلوبة". وحين يقارن هويتن بين سكنه الشعبي في "سعد زغلول" والراقي في "المهندسين" يقول: "كانت مياه الشرب تنقطع لساعات عدة يومياً في "سعد زغلول"، لكن السكن في المهندسين يبعدك نسبياً من مصر الحقيقية". وإذا كانت مشكلة هويتن الاساسية تقبل "البواب" لصديقاته الفتيات، فإن المشكلات التي واجهت ألكس روان 20 عاماً مختلفة، فهي قدِمت من جامعة جورج تاون الاميركية حيث تدرس "العلوم السياسية" وتحديداً "أنظمة الحكومات" لتمضي فصلاً دراسياً في مصر. وتقول: "المشكلة الأولى التي واجهتها - وما زلت - هي المرور، فالانتقال من مكان الى آخر أمر بالغ الصعوبة والتعقيد، المشكلة الثانية كانت "ثقافة إن شاء الله" التي استغرقت مني بعض الوقت لأفهمها، فعبارة "إن شاء الله" تستخدم لعدم تحديد الأمور". وقد اختارت روان أن تقطن في السكن الجامعي منذ وصلت مصر قبل شهر واحد، تقول: "إدارة الجامعة تشترط علينا أن نسكن في سكن الجامعة، وهو مريح وآمن، وأنا أعلم أن ذلك يبعدني من مصر والمجتمع المصري الحقيقي، لكنها التعليمات". ويقتصر اختلاط روان بالمجتمع على الأماكن التي تتردد عليها مع اصدقائها الأجانب في الجامعة، وهي ملتقيات الجاليات الاجنبية العاملة في مصر. أما ماريكا كورتنر 22 عاماً فهي نفسها تنتمي الى الجاليات الأجنبية التي تعيش مع اسرتها في القاهرة، لكنها كانت تدرس في احدى جامعات المانيا. وتتفهم كورتنر تماماً وضع المرأة في مصر، فتقول: "على رغم انني المانية مسيحية، الا انه لا تضايقني ضرورة الالتزام بمعايير معينة في الملابس والتصرفات". وتقطن كورتنر الشقة نفسها التي يعيش فيها والدها وشقيقتها، لكنها ترى أن الاختلاط الحقيقي الوحيد بينها وبين المجتمع المصري يكون في رحلتي الصباح والمساء الى ومن الجامعة، اذ تعتمد في تنقلاتها على سيارات الأجرة. وتقول: "لغتي العربية ليست ممتازة، لكنني أتمكن من التحدث مع السائقين وأفهمهم الى حد ما، والجميع يعتقد أنني اميركية، وما أن أقول "المانيا" حتى أفاجأ بعبارة واحدة "شرودر كويس، لكن بوش وحش". وعلى رغم أنها مستمتعة بحياتها في القاهرة، إلا أنها تستبعد فكرة أن تعيش فيها بعد تخرجها، تقول: "ربما أفكر في العمل في القاهرة لبعض الوقت، لكنها مكان صعب لتربية الاطفال". شادي حميد كان طفلاً في الرابعة من عمره حين هاجرت اسرته الى الولاياتالمتحدة الاميركية. والآن وبعد مرور 16 عاماً، عاد حميد من جامعة جورج تاون حيث يدرس ليمضي فصلاً دراسياً في الجامعة الاميركية. يدرس حميد في كلية دراسات الشرق الاوسط، ويقول: "جئت الى هنا لأنني أردت أن أعمق فكرتي عن موطني الاصلي واسلوب حياة المصريين وتفكيرهم، وذلك بدلاً من أن اعتمد على دراسة تلك النواحي من على بُعد آلاف الأميال". وحميد يسكن في السكن الجامعي، لكنه يختلط مع طبقات المصريين المختلفة التي يتعامل معها، سواء لشراء حاجاته او التنقلات أو مجرد الاحاديث التي تنشأ بطريقة ارتجالية، فشكله مصري، ويتحدث العربية وإن كانت بلكنة اميركية. ويقول حميد إن السكن خارج إطار السكن الجامعي يتيح للطلاب الاجانب الفرصة الحقيقية للانخراط في المجتمع المصري من دون أقنعة، ويقول: "تعيش عائلات من أقاربي في منطقتي المعادي ومصر الجديدة، وأتردد عليهم بصفة دائمة، وهذا يتيح لي - إضافة الى ترددي على شتى أرجاء القاهرة - التعرف الى المجتمع وأفراده عن قرب". وإذا كان حميد جاء الى مصر من دون افكار مسبقة بحكم زياراته المتعددة لها في اشهر الصيف، ومن دون الحاجة الى البحث عن مسكن في حي شعبي للتعرف الى مصر الحقيقية، فإن ريان ليفرز 21 عاماً جاء من جامعة "ساوث داكوتا" بحثاً عن ثقافة وشعب ولغة مختلفة عن عالمه. وعلى رغم مرور أربعة اسابيع فقط على وصوله مصر، الا انه يضع عبارتي "إن شاء الله" و"ممكن" في كل جملة يقولها. في العام الماضي، زار ليفرز طشقند، وكان يتوقع ان تكون مشابهة للقاهرة، لكنه وجد في القاهرة شيئاً مختلفاً تماماً. ويقول: "تخيلت أن تكون المدينتان متطابقتين لمجرد أنهما بلدان اسلاميان، لكنه كان تصوراً خاطئاً". وينوي ليفرز - الذي يقطن حالياً في السكن الجامعي - ان يستأجر شقة مع احد اصدقائه اذا قرر أن يمدد فترة اقامته في القاهرة. ويستمتع ليفرز كثيراً بالتحدث مع المصريين في الشارع وفي السوبر ماركت، ويقول: "يبدو أن المصريين مهتمون بمعرفة تفاصيل المجتمع الاميركي على القدر نفسه من الاهتمام الذي اوليه للمجتمع المصري". تجاربه السيئة جميعها تنحصر في مجال المرور، يقول: "المواصلات هنا مسألة تحدٍ، وتتطلب قدراً عالياً من روح المغامرة، وعلى رغم ذلك قد افكر يوماً في القيادة في شوارع القاهرة".