وصلت "يارو" من أثيوبيا إلى مطار بيروت، عصراً. وكانت"معلّمتها"في استقبالها. وانتظرت إجراءات الدخول طويلاً، لأن الواصلات من نظيراتها يعامَلن معاملة خاصة: يُجمَعن في زاوية، ولا يستدعَين لإتمام الإجراءات إلاّ بعد مرور كل المسافرين"الآخرين". تعجّب الموظّف الأمني وسأل"معلّمتها"لماذا تنتظر خادمتها، بينما تستطيع المجيء صباح اليوم التالي لتسلّمها... انتهت المعاملات، واستدعيت يارو إلى الخارج. بانت الصبية"السوداء"خائفة مرتبكة، تحمل حقيبة صغيرة حمراء. تعارفتا. بادرتها"معلّمتها"بابتسامة أيضاً مرتبكة، علّها تطمئنها، لكنّها لم تؤدّ غرضها. ثم غادرتا بالسيارة. جلست يارو في المقعد الخلفي، ومعها الصبي الصغير. كانت عيناها حائرتين. الصبي الصغير حاول أن يسايرها، فلم يلق جواباً. الصبي الصغير حاول مرة أخرى. توقّفت السيارة في المرآب، فازداد خوفها وبدا ذلك في عينيها وفي ضمّها الحقيبة الصغيرة الحمراء."معلمتها"لم تشعر بخوفها. الولد الصغير تنبّه إليه، إلى الخوف. فضمّها بين ذراعيه الصغيرتين وهمس بلغة لا تفقهها:"ما تخافي"، ثم قبّل وجنتها. بكت يارو ولكنّها اطمأنّت، فبقيت ثماني سنوات، برفقة صديقها الصغير، قبل أن تعود إلى بلادها. هذه القصة ليست من نسج الخيال، بل هي إثبات حقيقي على أن المحبّة شيء ليس في الكتب وحدها. يحاول ملحق"أسرة"، في هذه الدفة منه اليوم، إعطاء لمحة سريعة عن يوميات عاملات أجنبيات يخدمن في بيوت عربية لبنان إبان الحرب الإسرائيلية الأخيرة عليه، والأردن، وعن نظرة مخدوميهن أو"معلّماتهن"إليهن وإلى هذه الظاهرة. أما الإحصاءات المتّصلة، فلكل"رقم"منها قصة أو مشكلة أو مأساة، سنتطرّق إليها في وقت لاحق.