أبلغ القاضي البلجيكي سيرج براميرتز رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري ورفاقه، مجلس الأمن أمس أن التحقيق توصل في الشهور الثلاثة الماضية الى"تقوية الاستنتاجات الدولية بأن القضايا ال14 من الاغتيالات ومحاولات الاغتيال الأخرى في لبنان لم يخططها وينفذها 14 شخصاً أو فريقاً مختلفاً لا رابط بينهم بدوافع منفصلة، وإنما تتوقع اللجنة ان روابط اضافية ستظهر بين الحالات بعد جمع المزيد من المعلومات والدلائل". ووصف براميرتز عملية اغتيال الحريري بأنها"جريمة بالغة التفوق"في مستواها، لا يمكن أن يكون قد قام بها مجرد فرد. ورداً على سؤال ان كان في صميمه متأكداً من العثور على منفذي الجرائم، قال براميرتز:"لو لم أكن شخصياً مقتنعاً بأن هناك فرصة لكشف الحقيقة، لما كنت طلبت من عدد كبير من المحترفين أن يعملوا معي في ظروف ليست دائماً سهلة". وأضاف:"لست متشائماً، لكنني لا استطيع أن أعد بشيء". وقال إن اللجنة توصلت الى"فهم أفضل لناحية التهيئة والإعداد للهجوم على الحريري، خصوصاً نشاطات ومواقع حاملي بطاقات الاشتراك الخليوي الستة، والذين يُفترض أنهم جزء من فريق التفجير". وتابع أن"هذه إحدى النواحي"حيث تتم مقارنة الأدلة بين اغتيال الحريري وبين الحالات ال14 الأخرى من الاغتيالات، وان الهدف من تحليل الاتصالات الهاتفية هو"عزل الأرقام المشتركة بين بعض الحالات من العدد الهائل لحركة الاتصالات في بيروت خلال فترة الهجمات، وربطها بأرقام أخرى ذات صلة". وتتخذ مسألة ترابط كل الاغتيالات أهمية قصوى، علماً أن البعض سيتخذها أساساً لوصف هذه الاغتيالات بأنها"جرائم ضد الإنسانية"تمكن مقاضاتها في محكمة تتناول هذه الجرائم في حال نجاح جهود افشال المحكمة ذات الطابع الدولي التي تعمل عليها الاممالمتحدة حالياً مع الحكومة اللبنانية وتتطلب اجماع الحكومة وتصديق البرلمان اللبناني عليها. القائمة بالأعمال في البعثة اللبنانية لدى الأممالمتحدة كارولين زيادة خاطبت جلسة مجلس الأمن وقالت:"مع تواصل التحقيق تتابع الحكومة اللبنانية بالتعاون مع وكيل الأمين العام للشؤون القانونية السيد نيكول ميشال والعاملين معه، العمل على وضع الصيغة النهائية للمحكمة ذات الطابع الدولي التي نأمل أن تنال دعمكم وتأييدكم". وتابعت أن"هذه المحكمة التي تحظى بالاجماع الواسع والأكيد في لبنان تكتسب أهمية قصوى لأبناء الشعب اللبناني وتعتبر املاً للبنان لا يكون فيه مكان للاغتيال السياسي الذي عانينا منه طويلاً". وأبرز المندوب السوري بشار الجعفري أمام المجلس"ما تضمنه التقرير من محطات ايجابية بارزة في شأن الجهود التي بذلتها سورية". وتحدث بإسهاب عن التعاون السوري مع اللجنة. وأشار الجعفري الى الولاية الموسعة للتحقيق في الجرائم الإرهابية المرتكبة في لبنان، معرباً عن التوقع"ان يهتم مجلس الأمن بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت أخيراً اثر القصف الإسرائيلي للبنان". وطالب السفير السوري من اللجنة ان"تركز التحقيق ايضاً على جريمة اغتيال الاخوين محمود ونضال المجذوب العضوين في"حركة الجهاد الاسلامي"الفلسطينية في صيدا في ايار/ مايو الماضي من أجل توضيح الصلة بينها وبين غيرها من الجرائم". وتمنى ان"تفتح ولاية اللجنة لتشمل هذه الجريمة الارهابية ومثيلاتها". ورد براميرتز على هذا الاقتراح بالتشديد على"انني انفذ الولاية التي كلفت بها من مجلس الأمن، وهي اجراء التحقيق في اغتيال رفيق الحريري و22 آخرين ومد المساعدة التقنية عن القضايا ال14 أخرى. وليس هناك أي أمر آخر ضمن الولاية". وأضاف الى الصحافة ان توسيع الولاية يعود الى مجلس الأمن. وأكد أثناء احاطته ان اللجنة تقوم الآن ب"20 تحقيقاً وتحليلاً رئيسياً"وانها تنوي استجواب نحو 50 شخصاً"ذوي علاقة بترابط"الاغتيالات. السفير الاميركي جون بولتون تحدث عن"تورط سورية"في الاغتيالات. وقال للصحافة ان كل التقارير السابقة أكدت ذلك وأشارت الى"عدم التعاون السوري". وتابع:"اذا نظرت في بعض تفاصيل احاطة براميرتز اليوم، فإنها تعتبر تأكيداً لذلك". لكن براميرتز او ميليس اشارة الى ديتليف ميليس الرئيس السابق للتحقيق لن يكشفا عن كل ما يعرفانه لأن ذلك قد يعرض مقاضاة القضية للخطر". في ما يخص المحكمة، أكد بولتون انه يريد قيامها بجهوزية للمقاضاة وليس اطلاقها عملياً لتهدر الأموال قبل جهوزية القضايا. وأثناء رده على اسئلة الصحافة في أعقاب الجلسة المغلقة لمجلس الأمن، قال براميرتز"لقد عززت اللجنة من استنتاجاتها"بأن كل الاغتيالات لم تنفذها جهات"متفرقة"وانما"هناك على الأرجح رابط مباشر بين هذه القضايا المتعددة". وأضاف:"اننا نقارن المعلومات الجنائية المعنية بال14 حالة مع المعلومات الجنائية في قضية التحقيق في اغتيال الحريري". وأعار براميرتز"التحليل الجنائي"لاشلاء الشاب غير اللبناني الذي عثر على سنّه والذي يبدو انه قام بتفجير القنبلة من 1800 كيلوغرام أهمية وقال انه أدى الى"نتائج حاسمة". وقال براميرتز للصحافة ان تعريف هذا الرجل الذي هو في مطلع العشرينات من العمر سيساعد في تعريف هوية مرتكبي الجريمة كافة. واضاف:"ان السن الذي عثرنا عليه في مسرح الجريمة أمر بالغ الأهمية... يعرّف هوية الشخص... واذا تمكنا من تعريف هوية هذا الفرد، نكون بالطبع قمنا بخطوة مهمة جداً". وتابع ان"المواد الموجودة في مسرح الجريمة تعتبر حقائق قاطعة لا يمكن لأحد ان يخالفها. فعندما أتكلم عن الدوافع أو عن أقوال شهود، تعتبر هذه ادعاءات يجب اثباتها. لكن المواد الموجودة في ساحة الجريمة مهمة للغاية، ومن الممكن أن تشكل خيوطاً بالغة الأهمية لتعريف الأشخاص الذين وصفوا هذا الشخص في ذلك الموقع وطلبوا منه أن يتصرف بتلك الطريقة". السنيورة: هجوم حواري وفي بيروت، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة أنه لا يرى"ما يدعو الى الحدّة في التعبير الذي تعلو فيه الأصوات بما يوتّر المواطنين ولا يزوّدهم بمنفعة اضافية"، معتبراً ان"ما يجمع اللبنانيين أكبر وأكثر بكثير مما يفرّقهم". وقال السنيورة في أول دخول مباشر له على خط السجالات الحادّة التي شهدها لبنان خلال الأسابيع الماضية، في كلمة مؤثرة ألقاها أثناء مأدبة إفطار جامعة حضرها قادة الموالاة والمعارضة، لمناسبة شهر رمضان:"أنا لا أقلّل من أهمية وحق الاختلاف السياسي في بلد ديموقراطي"، لكنه دعا الى"تبادلٍ للرأي لفتح نوافذ من الأمل تتعزّز بإرادة الحياة لدى اللبنانيين"، معتبراً دعوته القادة السياسيين الى مأدبة الإفطار"دعوة ودّ وتلاقٍ وتوحّد ومسؤولية...". واعتبر السنيورة في كلمته التي ألقاها بهدوء واعتبرتها أوساط مراقبة أشبه ب"هجوم حواري"في خضم الاحتقان الذي يعيشه لبنان، أن"أولى المسؤوليات إقفال ملف النزاعات الداخلية والعمل على ألا يكون لبنان ساحة للصراعات الخارجية أو الحسابات في الوقت الذي نبني فيه الدولة الديموقراطية القويّة والقادرة... على حماية جميع اللبنانيين بمفردها انطلاقاً من مسؤولياتها الدستورية وصون حقوق السيادة والمواطنة والكرامة". ورأى ان ما يجمع اللبنانيين"تمثّل في دستور الطائف الذي علينا جميعاً استكمال تطبيقه"، مؤكداً ثقته بأن"المشاركة الكاملة يمكن الوصول اليها باستكمال هذا التطبيق"، وان"لا شروط على الوطن والدولة والنظام الديموقراطي...". واعتبر السنيورة ان"المخاطر على الوطن لا تأتي من الخارج فقط بل من الانقسام الداخلي أيضاً". ودعا الى العمل من أجل مستقبل اللبنانيين". وكان السنيورة ترأس اجتماعات أمنية عدة أمس أبرزها مع قائد قوات"يونيفيل"الجنرال آلان بلليغريني والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسون للبحث في استكمال الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب الذي أخّرته القيادة الاسرائيلية. وعلمت"الحياة"ان الأممالمتحدة ستجري اتصالات مع تل أبيب لتسريع الانسحاب. وأوضحت مصادر المنظمة الدولية ل"الحياة"أنها تتوقّع انسحاب هذه القوات غداً الأحد أو الاثنين، فيما أشارت مصادر أخرى الى ان بدء هذا الانسحاب من بعض المواقع غداً لا يعني أنه سينتهي قبل آخر الأسبوع المقبل. وفي مأدبة إفطار لشباب"تيار المستقبل"شكر زعيم تيار"المستقبل"النائب سعد الحريري القاضي براميرتز وفريقه على الجهد الذي يقومون به من أجل كشف الحقيقة التي ستظهر في النهاية، معتبراً ان براميرتز"يبني عمارة الحقيقة حجراً حجراً وسيخصص فيها جناحاً من القضبان سيساق اليه المجرمون القتلة". واعتبر الحريري ان المحكمة الدولية"على الطريق"، أضاف:"قبل أيام، قال أحدهم أمام وفد من أتباع ريف دمشق ان المحكمة الدولية لن تمر، لأنها تهدد الاستقرار في لبنان. ونحن نقول له، ولكل الأتباع، ان المحكمة الدولية ستمر بإرادة كل اللبنانيين، ولن يكون في مقدور الجناة عرقلتها، مهما مارسوا من ضغوط وتهديدات". "حزب الله": المؤامرة متواصلة من جهة ثانية، أكد رئيس"كتلة الوفاء للمقاومة"النائب محمد رعد حزب الله ان المؤامرة"متواصلة ضد سلاح المقاومة لنزعه بكل الاساليب والفنون وكل انواع الدهاء والمكائد وعبر الخيارات السلبية والتلويح بالقوة والاستقواء بالغزاة. لكن هذا السلاح هو الذي يحفظ الكرامة ويحمي البلاد ويصون السيادة ويكرس الاستقلال، وهو في أيدينا بسبب قصور وعجز الدولة، وهو مشرّع ضد الاحتلال فقط ولا نريده ان يبقى مشكلة لأحد في لبنان بل نريده ان يبقى كابوساً على المحتلين". وقال رعد:"اذا توافقنا جميعاً على بناء الدولة القوية والقادرة على حماية الأرض والمواطنين من الاعتداءات ومن الدبابات الاسرائيلية، فنحن جاهزون كي نقبل بالمعادلة التي تحقق هذه القدرة، لكن ان يقال لنا تخلوا عن سلاحكم وراهنوا على صداقاتنا الدولية! فلقد ذبحتنا صداقاتكم الدولية". وانتقد"تصوير البعض النصر التاريخي بأنه كارثة"، في انتقاد غير مباشر لخطاب الحريري قبل يومين.