كانت الدكتورة كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية، اعتبرت الحرب الاسرائيلية على لبنان"مخاض ولادة شرق أوسط جديد"، الا ان المنطقة الحامل أجهضت أو أن الجنين ولد ميتاً. الشرق الأوسط الجديد، بعد الكبير، دفن مع احلام اسرائيل في تدمير حزب الله وتجريده من سلاحه، واسترداد الجنديين الاسيرين. وكان الرئيس بوش رأى الحرب خطوة أولى في خطة ضرب ايران واسقاط النظام فيها، فلا شرق أوسط أميركياً يتسع لمثل نظام آيات الله ومحمود احمدي نجاد. غير أن جورج بوش رأى شيئاً ورأى حزب الله غيره، وكان ما كان من أمر الحرب وكيف انتهت، وبقي أن نعرف اذا كانت الدكتورة رايس تستطيع انتزاع نصر من فم الهزيمة وأكتفي منها بأن تمنع انحدار المنطقة نحو حرب جديدة، لأنني لم أصدق أصلاً أن شرق أوسط جديداً ديموقراطياً يعيش بعضه مع بعض بسلام يمكن أن يقوم. أعطي الدكتورة رايس"فائدة الشك"، وأقول انها تحاول، غير أنها وحدها لا تستطيع اجتراح معجزات، فهناك ألف عامل ضدها، ليس أقلها الرئيس بوش نفسه على رغم علاقة العمل الوثيقة بينهما. الرئيس بوش قَبِل رأيها التركيز على الوسائل الديبلوماسية، إلا أنه بعد بدء العمليات العسكرية، عاد الى جذوره في تفضيل المواجهة معتقداً أن تدمير حزب الله سيمكنه من اسقاط النظامين في دمشق أولاً ثم طهران بعد ذلك. ولعل هذا الموقف يفسر ما كشفه الصحافي المحقق سايمور هيرش في"نيويوركر"الاسبوع الماضي، فهو نقل عن مصادر في الإدارة وخارجها قولها ان ادارة بوش عملت عن كثب في تخطيط الهجمات الانتقامية الاسرائيلية ضد حزب الله في لبنان، فقد كانت الإدارة تبحث عن عذر لضرب حزب الله وبعده سورية لتستطيع بعد ذلك ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهي بمأمن من حرب انتقامية يشنها حزب الله على اسرائيل. وكانت انباء أخرى ذكرت أن الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني وكبار أركان ادارته فكروا بضرب ايران بأسلحة نووية تكتيكية، إلا أن الجنرالات في البنتاغون نصحوا بشدة ضد هذه الفكرة. أعرف أن سايمور هيرش قدم الى المجلة معلومات تزيد كثيراً على ما نشر، وهو لم يكن سعيداً أبداً بحذف المعلومات الكثيرة التي تجمعت له. وبما أن هذا الكاتب الذي كان وراء كشف مجزرة ماي لاي والتعذيب في سجن أبو غريب يتمتع بصدقية عالية جداً، فإننا نفترض أن ما كتب صحيح. ماذا تستطيع أن تفعل وزيرة واحدة في وجه عصابة الشر الاسرائيلية، كما أن أهم حليف لها، أي الرئيس بوش، يعمل ضد جهدها الديبلوماسي؟ بعض الناس يقول انه ينطلق من أسباب دينية، مثل تأييد المسيحيين الاصوليين اسرائيل، ولكن أزيد شخصياً عنصر الجهل، فهو زار اسرائيل مرة عندما كان آرييل شارون وزيراً للخارجية، ووعد بأن"يقاتل"من أجل اسرائيل، ما فاجأ المستمعين الذين يذكرون أن أباه أوقف ضمانات القروض الى اسرائيل ليضغط عليها. وعندما أصبح شارون رئيس وزراء وصفه بوش بأنه"رجل سلام". موقف بوش قد يفسر بطريقة أو بأخرى، ولكن يبقى نفوذ لوبي اسرائيل العنصر الأهم في توجيه الإدارة، فتؤيد اسرائيل على حساب المصالح الأميركية في المنطقة والعالم. ولا تقتصر صعوبات وزيرة الخارجية على ادارة تخضع لإرادة اسرائيل، فمع الإدارة الجمهورية هناك الحزب الديموقراطي الذي يفترض أن يكون معارضاً، إلا أنني وجدت في السنوات الأخيرة أن الحزب الجمهوري تحت سيطرة الشركات الكبرى والمسيحيين الصهيونيين، والحزب الديموقراطي تحت سيطرة المتبرعين اليهود لحملات الأعضاء فيه، ما يعني استمرار وضع يهدد مصالح كل شعوب المنطقة مهما حاولت وزيرة الخارجية. وعمل الوزيرة"مخترق"من دون تخريب خارجي، فعندما زارت الشرق الأوسط أخيراً رافقها إليوت ابرامز، المدير في مجلس الأمن القومي، وديفيد ويلش، وهذا ديبلوماسي محترف عمل سفيراً في القاهرة يوماً. كتبت عن ابرامز غير مرة، ورأيي أنه اسرائيلي قبل أن يكون أميركياً، وأنه يكره العرب والمسلمين، ويمثل اسرائيل في الإدارة، ويغلب مصالحها على كل مصلحة أخرى. ولعل من القراء من يذكر دوره في فضيحة ايران/ كونترا، فقد دين، وكان يفترض أن يظل بعيداً عن الادارة لولا أن بوش الأب عفا عنه في آخر أيامه في الادارة. أما ويلش فهو ديبلوماسي محترف يمثل تقاليد وزارة الخارجية. وكان أن قرأت ان ابرامز مثّل مصالح اسرائيل في جولة رايس وأن ويلش مثّل مصالح العرب، مع انني أرى أن ويلش مثّل مصالح بلاده فقط. أزعم أن مشروع الشرق الأوسط الجديد سقط أمام المقاومة اللبنانية، ثم أزعم انه كان سيعود بكارثة علينا. فعلى رغم حاجتنا الى الديموقراطية وكل شيء آخر، إلا أننا لا نحتاج الى هيمنة أميركية - اسرائيلية علينا باسم الديموقراطية. غير أنني أحذر من اننا لسنا في نهاية المطاف، فبعض الذين انتشوا بانتصار مقاتلي حزب الله، قد يشجعون الادارة الأميركية على ضربهم مباشرة هذه المرة، وبما أنهم من دون حلفاء أو أصدقاء، فإن لا شيء سيثني الإدارة الأميركية اذا استطاعت عصابة الشر الاسرائيلية اقناعها بأن احلام الشرق الأوسط الجديد لم تمت في مارون الراس أو بنت جبيل أو الضاحية.