انتقل الارتباك، الذي يلف إسرائيل منذ الايام الأخيرة للحرب على لبنان وبعد وقفها، إلى الساحة الإعلامية التي كان أباطرتها، حتى قبل ايام، من المهللين للحرب والمصفقين لرئيس الحكومة ايهود أولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس و دان حالوتس قائد الجيش رئيس الاركان، الذي رشحوه لرئاسة الحكومة في المستقبل القريب، وإذ بهم أمس"يخلعون جلدتهم"ويشحذون أقلامهم وسكاكينهم ليقصفوا بحدة غير مسبوقة من قاد إسرائيل الى حرب مكلفة مالياً ومهينة بنتائجها العسكرية، مطالبين بالتخلص فوراً من هذه الحكومة وإطاحة حالوتس، مقرعين أولمرت على قراره عند تشكيل حكومته تسليم بيرتس وزارة الدفاع بقصد تحويله الى"كاريكاتور"أي وزير ضعيف أمام جنرالات الجيش. ويرى مراقبون أن سيل المقالات والتقارير الذي أغرق ملاحق الصحف العبرية أمس يزيده ارتباك عموم الإسرائيليين"الذين فقدوا ثقتهم بالجهاز السياسي"، ويعاظم انقباض صدورهم وهم يقرأون افادات جنود شاركوا في الحرب تشف ريقهم، وهم يبحثون عن ماء للشرب"واهينوا عسكرياً أمام مقاتلي حزب الله لعدم تحضيرهم لهذه الحرب". وانتبه كبير المعلقين في"يديعوت أحرونوت"الى ما"أصاب الصحف من هيستيريا في الأيام الاخيرة"، وكتب أن زملاءه المعلقين"الذين حتى الأمس القريب عكسوا ظاهرة عبادة الفرد"وهم يمجدون"أبطال الحرب"يبحثون الآن عن"شيطان"، أي شخص بلباس عسكري أو من دونه ليحمّلوا ظهره كل أخطاء الحرب وخطاياها. وتحدث المعلق المخضرم في"هآرتس"يوئيل ماركوس عما وصفه"غباء الوزراء"، وكتب ان"الأم اليهودية حين تتفاخر بأبنها تقول إن لديه ذكاء وزير... لكن مثل هذا الاطراء أصبح اليوم قذفاً وذماً". وانتقد تحديداً"تهور أولمرت في شن حرب من دون أن يفحص أولاً إذا كانت عادلة وما هي نتائجها". وتساءل لماذا لم تكتف الحكومة برد عسكري محدود على اختطاف الجنديين وخرجت متسرعة الى حرب عرضت إسرائيل ل4000 صاروخ ودفعت بمليون من سكانها الى الملاجئ والنزوج وتسببت بأضرار جسيمة في الأرواح والممتلكات"ومن كان يصدق للمرة الأولى تخرج إسرائيل من الحرب غير منتصرة. حرب كانت هي جوليات وحزب الله داود". وشكك في أن تكون لهذه الحكومة أجندة سياسية تضمن فيها انهاء ولايتها القانونية بعد أربع سنوات"حكومة تسببت بلسوكها في احداث هزة في ثقة الجهور بها الذي يطرح أسئلة كثيرة عن تهورها في اتخاذ قرارات وعن لجنة تحقيق... اننا بصدد عصيان مدني ويجدر أن نستعد لانتخابات جديدة". وحذر الكاتب الحكومة، التي يتسلّى أقطابها بالفكرة الخطيرة باغتيال حسن نصرالله. عندما اغتيل سلفه عباس الموسوي فجر"حزب الله"مركزاً يهودياً في الأرجنتين و"نحن حصلنا على وريث أكثر كفاءة من سلفه". وفي افتتاحية شديدة اللهجة طالبت"هآرتس"إطاحة حالتوس عن قيادة الجيش فوراً"ان ثمة شعوراً لدى الجنود ان ليس هناك من يعتمدون عليه في رأس الهرم العسكري، في المعركة العسكرية المقبلة". من جهته، تناول محرر"يديعوت أحرونوت"رافي غينات ما وصفها"خدعة"تمثلت بقيام أولمرت بتعيين بيرتس وزيراً للدفاع على رغم معرفته أنه يسلم مراقبة الجيش لأياد غير مهنية تنقصها التجربة و"الشخص ليس أهلاً للمنصب". وأضاف أن أولمرت اعترف أمامه أن اقتراحه لبيرتس حقيبة الدفاع لم يكن جدياً إنما أراد منه أن ينتفي عنه اتهام بيرتس له بأنه لا يقدر مواهبه وأنه فوجئ بقبوله حقيبة الدفاع ولم يعد قادراً على التراجع عن اقتراحه لئلا يعتبر بيرتس الأمر اهانة فيفجر المفاوضات الائتلافية. وتابع أن بيرتس مذنب ايضاً بقبوله منصباً وزارياً يعرف جيداً أنه لا يستحقه ولا يناسبه، و"هكذا يقود الحكومة شخصان مصابان بخطيئة الغرور وبانعدام المسؤولية القومية. وجاءت الحرب لتثبت أنه من غير المعقول أن ينشأ وضع فيه رئيس الحكومة ووزير الدفاع يفتقران الى الثقة بالنفس. ويجب أن يكون أحدهما على الأقل، ويفضل وزير الدفاع، ذا خبرة عسكرية قادراً على الحكم بمهنية على مخططات الجنرالات". من جانبه، كتب محرر صحيفة"غلويس"الاقتصادية ماتي غولان أن ادعاء بيرتس حول عدم تسلمه تقارير استخبارية قبل الحرب عن الصواريخ لدى"حزب الله"يبدو سخيفاً، مضيفاً أن ما افتقر اليه بيرتس ليس التقارير الاستخبارية إنما"المنطق السليم". وجاء مفاجئاً ما كتبه دان مرغليت المحسوب على أصدقاء رئيس الحكومة، في"معاريف"عن خيبة أمله من أداء أولمرت وسلوكه. وأضاف أن"الرؤية الشاملة للقيادة كلها كانت اشكالية، كلهم ارتكبوا سلسلة أخطاء فادحة، أما ارتجاف أولمرت في المفترقات الحاسمة للحرب، البرية والجوية، فهو قصة بحد ذاتها، قصة تلخص الحرب بتطوراتها ونتائجها". وختم معرباً عن عدم ثقته بقدرات أولمرت وحكومته، بدعوة أولمرت الى ضم ايهود باراك وبنيامين نتانياهو وايفدور ليبرمان ودانة مريدور ويوسي بيلين الى حكومته لتكون قادرة على اتخاذ قرارات صائبة. واشتدت المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاضٍ، وجاء لافتاً أن وزراء في الحكومة يؤيدون تشكيلها على رغم معارضة أولمرت الشديدة الذي يخشى أن تطاول نتائجها رأسه.