"أمي ... أمي" ، صرخت سارة مذعورة وركضت لتحتمي بين ذراعي والدتها . دويّ هائل غير مألوف هزّ المنزل تحت قدميها. نظرت الى أُمها بعينين واسعتين مملوءتين بالخوف. شدّت رنا ابنتها الى صدرها وهمست في اذنها: "انه عرس يا حبيبتي وهذه مفرقعات ابتهاج... لا تخافي" . تعود السكينة الى سارة وتنظر الى لعبتها : "فيفي لا تقلقي ، سمعت ماذا قالت ماما" ؟ يسود الصمت. ثم تعلو الاصوات في الشارع. الجيران خرجوا ليطمئن بعضهم على بعض. الشارع آمن. الضربة ربما في الحي المجاور. خطوات سريعة تقترب من الغرفة. يدخل سامي مُسرعاً:"يجب ان نغادر المنطقة، منزل امي في الجبل سيكون أكثر أماناً". تنظر رنا الى سارة:"حبيبتي سنذهب لنزور جدتك". لم تنبس سارة ببنت شفة. وعلى رغم أعوامها الخمسة، شعرت ان الأمر يتعدى مجرد زيارة للجدة. ركبت العائلة السيارة. غفت سارة في حضن امها. وصلوا الى بيت الجدة. مر اسبوع، ثم آخر وآخر. تقترب سارة من والدتها باكية. تمسك فيفي بيدها:"فيفي لا تأكل يا ماما... ولا تنام. يمكن مريضة"."خذيها حبيبتي لتلعب في الخارج على الأرجوحة"، ترد الأم. بعد قليل، تعود سارة باكية."امي فيفي ترفض اللعب. تقول انها مشتاقة لصديقتها سوسو، وتسألني عن صديقتها الاخرى التي تعيش مع صديقتي ريم". يعلو صوت بكائها اكثر."امي، فيفي ليست سعيدة". تحتضن الأم ابنتها بحيرة. كيف تطمئنها؟ هل تعدها بما لا تعلم به؟ الأم لا تعلم متى تعود، وسارة تنتظر الجواب."لن يطول الأمر حبيبتي حتى تعود فيفي الى المنزل وتنام في سريرها". ستلعب مع اصدقائها مجدداً. لا تقلقي. اهتمي بها انت، لأنك الكبيرة، وطمئنيها ان كل شيء سيعود كما كان". مر وقت طويل. وذات صباح، انقلبت الصورة. أصوات"الابتهاج"اختفت. وبدأ الناس يستعدّون للعودة الى منازلهم. وكصباح يوم عيد اخذوا يهنئون بعضهم بعضاً. وبلهفة، تركب الصغيرة بجانب أمها رنا في السيارة. تنظر سارة الى فيفي وتسرّ لها فرحة:"سترين سوسو بعد قليل. ستنامين في فراشك وتلعبين مع ابنة الجيران... عجلوا، سوسو لا يسعها الانتظار اكثر". واندفعت السيارة بسرعة بين القرى نحو المدينة. قرب المنزل، ظهرت ابنية مهدمة وركام في الطرقات. لكن سارة لم تهتم. هي تشعر ان المدينة تغيرت، ولكنها لم تسأل. تبحث عن منزلها. اوقف سامي السيارة امام مدخل المبنى. قفزت سارة وهرعت الى الداخل. لحقت رنا بابنتها، وطلبت المصعد. سارة لم تنتظر وصوله. طارت فوق الدرجات بخفة. يداها تضمان فيفي الى صدرها بقوة. وقفت امام الباب: "يللا ماما افتحي الباب". "مهلاً سارة". فتحت الأم الباب. دخلت سارة، وسحبت فيفي معها، وراحتا تتنقلان من غرفة الى غرفة. تتفقد كل الزوايا. تدير التلفزيون على محطتها المفضلة. تفتح الكومبيوتر لتلعب قليلاً. أخيراً، وضعت فيفي في السرير، الى جانب سوسو وبقية الألعاب. ووقفت في غرفتها لتلتقط انفاسها: "منزلي الحبيب، اشتقت اليك"!