منذ بدء الحرب الاسرائيلية على لبنان، استحوذ الخبر الميداني اللبناني على نشرات الاخبار وطغى على ما دونه من الانباء والاحداث مهما كانت درجة أهميتها، فتراجع الخبران الفلسطيني والعراقي تراجعاً خطراً على رغم أن الاوضاع في كلا البلدين لا تقل دموية عنها في لبنان. حتى خبر مطار هيثرو، الذي كاد ينذر ب 11 أيلول سبتمبر ثانٍ، لم يحدث الضجة التي كان ليحدثها لو أن الساحة في لبنان غير ما هي عليه. مئة قتيل في انفجار سيارة مفخخة في النجف قرب مرقد الإمام علي، خبر ألقي الى النصف الثاني من نشرات الاخبار على كل القنوات الارضية والفضائية. مشرحة بغداد تستقبل ألفي جثة في شهر واحد. خبر آخر جاء ضمن سلسلة أخبار العراق، كأنه يصف حال البلد العامة، وقذف الخبر بدوره إلى آخر النشرات الاخبارية. أما الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام فمتشابهة الى حد بعيد يجعلنا نعتقد بأن لا مراسل خاصاً تواجد في مكان الواقعة لحظة وقوع الحدث، بل هي صور وكالات أنباء وزعت بالتساوي على كل المحطات. هل فعلاً صار الخبرالعراقي مملاً الى هذه الدرجة حتى لا يستوقف مقتل مئة مواطن قرب مرقد ديني أحداً؟ هل اعتادت عيوننا الجثث والدماء حتى لم تهزنا صورة الفي جثة مكدسة في المشرحة؟ قد يقول قائل إن مفاجأة الحرب اللبنانية التي لم تكن متوقعة حولت الانظار عن العراق وقتلاه، ودفعت بالمراسلين اليه لسهولة التغطية ربما. وهذا صحيح إلى حد ما، فنقل الخبراللبناني أقل خطراً من تغطية الحدث العراقي، خصوصاً ان الصحافيين تحولوا فيه الى صيد ثمين لفرق الموت، فيما لا يزال زملاؤهم في لبنان ينعمون ببعض حرية الحركة. إلا أن ما يحدث ليس مجرد وقوع الاعلاميين تحت هول المفاجأة. فالصدمة لا تبقى شهراً كاملاً، وإنما هو في الواقع وللأسف تعود على فكرة الموت في العراق بأعداد هائلة يومياً، بشكل جعل هؤلاء الأموات مجرد أرقام واحصاءات، وليسوا أشخاصاً ووجوها وحكايات.