يعود غالبية المسيحيين في بغداد الى قرى الأجداد شمال العراق أو يهاجرون منها هرباً الى سورية أو الاردن. وتخشى الأسر المسيحية التي سكنت في بغداد، قادمة من الموصل وأربيل ودهوك في السبعينات والثمانينات، بحثاً عن فرص العمل والدراسة، من أن يؤدي بها العنف الطائفي الى مغادرة العاصمة الى الأبد. يقول أبو يوسف، وهو رب أسرة من ستة أفراد يعتزم العودة الى عينكاوا في اربيل ل"الحياة":"لا انفك افكر بأنني أرى بغداد للمرة الأخيرة"، ويعلل خوفه بأن"هناك جهات سياسية من السنّة والشيعة تتصارع على بغداد وقد يفوز احدها او تقسم المدينة بينهما، ولكن ما هو مؤكد أن لا موطئ قدم للأقليات الصغيرة في هذا الصراع". ويكمل الرجل الخمسيني:"يضاف الى هذا الأمر سعي قوى اقليمية الى تقسيم العراق دويلات طائفية، تارة عبر التهجير واخرى عبر الفيديرالية"، ويزيد:"ليس غريباً ان يقسم العراق الى دولة كردية تضم المسيحيين في الشمال ودولة شيعية في الجنوب والوسط وثالثة سنية في الغرب والوسط". ويبلغ عدد المسيحيين في العراق مليون نسمة تقريباً، لكنه آخذ بالتناقص، لا سيما في بغداد، وهم خليط من السريان والكلدان والآشوريين والأرمن والروم، ويرفض البطريرك عمانوئيل دلي، رئيس اساقفة العراق وزعيم الطائفة الكلدانية في العالم، أن يكون استهداف المسيحيين لدينهم او قوميتهم، ويقول ل"الحياة":"المسيحيون جزء من تاريخ العراق ومجتمعه والوضع الأمني المتدهور يستهدف الجميع على حد سواء على رغم وجود بضع محاولات لتهجير المسيحيين وتقييد حرية ممارسة طقوسهم". وفي انحاء بغداد، كالدورة جنوب والبتاويين شمال وبغداد الجديدة شرق فضلاً عن محافظتي البصرة والموصل، سعت جماعات إسلامية متشددة الى اجبار المسيحيات على ارتداء الحجاب، وهددت اصحاب محلات بيع الخمور، وفجرت بعض الكنائس. تقول مريم عمانوئيل، مدرسة وأم لبنتين:"لطالما عشت وعائلتي بوئام في حي الاثوريين في الدورة، لكن مسلحين هددونا بالقتل اذا لم نغادر". وتضيف:"خرجنا من منزلنا فسيطروا عليه، ونحن الآن في منزل اقاربنا تمهيداً لسفرنا الى سورية". وتزيد:"لا أعرف من يهددنا، لدي صديقات مسلمات في المدرسة حيث اعمل حزنوا لتركي العمل والبيت". وعلى رغم تعدد الأحزاب المسيحية التي خاضت الانتخابات، إلا أن مجلس النواب الدائم لا يضم سوى أربعة نواب بينهم يونادم كنا، زعيم"الحركة الديموقراطية الآشورية"أبرز الأحزاب المسيحية وثلاثة ينضوون تحت لواء"التحالف الكردستاني"، وهناك وزيران مسيحيان صعدا الى الحكم عبر القائمة الكردية، فوزي الحريري وزير الصناعة ووجدان ميخائيل وزيرة حقوق الانسان. وتستدرك مريم:"أين الذين انتخبناهم في وقف العنف؟". يقول النائب يونادم كنا ل"الحياة"إن"تهجير المسيحيين الى الشمال مخطط منظم، مثلما هي الحال بمحاولات تفريغ الأحياء السنّية من الشيعة والعكس". وكان السفير الاميركي في بغداد زلماي خليل زاد، دق ناقوس الخطر، مشيراً إلى ان ثلاثة آلاف وخمسمئة عائلة نزحت من بغداد الى الشمال، ومعظمها يرزح تحت ظروف معيشية صعبة. وتوضح أم حنا التي قررت العودة الى قضاء القوش في الموصل مع أولادها بعد مقتل زوجها بانفجار سيارة مفخخة في زيونة قبل اسبوع، أنه"لا يوجد مكان أجمل من بغداد، فهنا ولدت وكبرت وتزوجت لكنني أريد بيئة آمنة لأولادي". وتضيف ان قرارها"صعب للغاية، فأولادي لم يتعلموا العيش في قرية واعرف اننا سنواجه صعوبات هناك ولكن ما في اليد حيلة". ويؤكد كنا وجود"رغبة في اقامة محافظة مسيحية في قرى سهل نينوى شرق الموصل اذا اتفق الفرقاء السياسيون على تشريع النظام الفيديرالي"، لكنه يستدرك:"يجب ان يتم هذا بالتزامن مع ضمان الحكومة حق المواطن، بغض النظر عن انتماءاته الدينية والقومية، العيش في أي محافظة او اقليم في العراق ووقف التهجير الطائفي". وضمت بنود الدستور العراقي طائفتي الكلدان والآشوريين من دون الطوائف المسيحية الأخرى، لكنها أقرت حق التعلم بالأرمنية والسريانية والتحدث بهما.