شكل البريطانيون العراق الحديث مطلع القرن الماضي من ثلاث ولايات عثمانية هي البصرةوبغداد والموصل، الأمر الذي ضاعف من التنوع الطائفي والعرقي. وكان لواء الموصل الشمالي موطناً للاكراد والتركمان والآشوريين الذين يتفرقون بدورهم الى طوائف دينية عدة من بينها السريان الكاثوليك والارثوذكس والكلدان الكاثوليك والنساطرة الآثوريين. وعند التأسيس للحكم الوطني العراقي، اعتمد الاستعمار البريطاني على ضباط من العرب السنة في تشكيل نواة الجيش والقوى الامنية. ودرس عدد من هؤلاء في مدارس عسكرية تركية وتأثروا بالتيار الوطني التركي تركيا الفتاة وبكمال اتاتورك لاحقاً. كما لا يخفى اعجاب بعضهم بالحركات الفاشية في اوائل القرن الماضي، ما أسس لاحقاً لعقلية عنصرية في التعامل مع الأعراق والطوائف الأخرى داخل العراق الحديث، توارثها الحكام المتعاقبون على السلطة حتى زمن ليس ببعيد. وكان الآشوريون كغيرهم من القوميات ضحية لهذه العقلية. الآشوريون والسلطة يعتقد الآشوريون بإنتمائهم الى الممالك والحضارات الآشورية القديمة التي تعود الى عام 2500 ق.م عندما تأسست أول مملكة آشورية وتوسعت لتضم في ما بعد أراضي في الأناضول وبلاد الفرس وجنوباً حتى نهر النيل. وسميت الحقبة الثالثة من تاريخ الامبراطورية الآشورية بالعصر الذهبي الأول، الذي انتهى عام 612 ق.م عند سقوط نينوى عاصمة الآشوريين القدماء بيد الفرس. وبقي الآشوريون في فترة الاحتلال الفارسي متمسكين بقوميتهم، وقاموا بمحاولة فاشلة عام 350 ق.م. لإعادة تأسيس المملكة الآشورية. والآشوريون من أول الشعوب التي اعتنقت المسيحية، اذ اسسوا اول كنيسة عام 33 ميلادية. واعتنق ابناء هذه القومية الديانة المسيحية، بدل ديانتهم "الآشورية"، نسبة الى إلههم القديم آشور عام 256 م. وعرف الآشوريون المسيحيون لاحقاً حقبة ذهبية ثانية، أسسوا خلالها الكثير من الإرساليات المسيحية التي وصل نشاطها الى آسيا. ويعود الفضل في نشر الديانة المسيحية في تلك البلاد النائية الى الآشوريين الناطقين بالسريانية. وفي دليل على أثر الآشوريين فوجئ الرحالة الشهير ماركو بولو عند زيارته للصين في القرن الثالث عشر برجال دين مسيحيين من الإرسالية الآشورية هناك. وينقسم الآشوريون اليوم الى طوائف دينية عدة كالسريان الأرثوذكس والكاثوليك والكلدان الكاثوليك أكثرية و"النساطرة". وهناك انقسام داخل هذه الطائفة نفسها بين الذين يتبعون التقويم اليوليالي القديم واتباع التقويم الغريغوري الجديد. لكن الطائفتين الرئيسيتين في هذه القومية هما الكلدان الكاثوليك اكثرية واتباع كنيسة المشرق الآشورية النساطرة. ويتحدث الآشوريون السريانية القديمة وبعضهم بالأرامية. وهم توزعوا على ثلاثة بلدان هي ايرانوتركيا وسورية، وتعرضوا ايام الحكم العثماني لمجازر عدة، من بينها ما يطلق عليها الكتاب الآشوريون تسمية "مذابح بدرخان بك" التي يقدرون حصيلتها بنحو 40 الف آشوري. وعلى رغم ذلك، ساهمت طبيعة المناطق الصعبة التي سكنوها في جنوبتركيا في منحهم امتيازات لم تعطهم اياها لاحقاً السلطات المتعاقبة في العراق. فكانت السلطات العثمانية تتعامل مع زعيم الكنيسة هناك، ما اعطاه نفوذاً سياسياً غير مسبوق على ابناء طائفته، نافس فيه القبائل. وفي اواخر القرن التاسع عشر، حاولت روسيا القيصرية وبريطانيا استمالة الآشوريين من خلال تعزيز العلاقات بين الكنائس في هاتين الامبراطوريتين والبطريرك الآشوري في منطقة حكاري. وكانت هذه العلاقات سبباً في تعرض الآشوريين في تركيا للاضطهاد. ووصل الامر بالعثمانيين الى ان اعلنوا الجهاد ضدهم عام 1914. وقاتل الكثير من الآشوريين الذين يقطنون في جنوبتركيا والمناطق المحاذية لشمال غربي ايران الى جانب القوات البريطانية. وأقدمت القوات التركية على تهجير الآشوريين من مناطقهم في جنوب البلاد الى الموصل، واطلقت على المهجرين تسمية "الحكاريين" نسبة الى منطقة حكاري، العاصمة الدينية للآشوريين "الحكاريين" آنذاك، ومقر كرسي البطريرك مار بنيامين شمعون. وتعتبر الحرب العالمية الأولى نقطة تحول رئيسية في تاريخ الآشوريين الحديث، اذ ساند بعضهم الاحتلال البريطاني في العراق. وشكل البريطانيون لاحقاً فيلقاً آشورياً اطلقوا عليه اسم "الليفي" لحماية سلطتهم في بغداد العاصمة. ولم يعد الآشوريون الحكاريون الى مناطقهم بسبب اتفاق بين تركياوبريطانيا على ضم منطقة الموصل النفطية الى العراق الحديث. وقدم الكثير منهم طلبات الى الحكومة التركية بهدف العودة الى بلادهم، قوبلت بالرفض لإعتبار الحكومة التركية ابناء هذه الطائفة "خونة" وقفوا مع الانكليز ضد الاتراك في الحرب. وفي عام 1933، صدرت توصية من عصبة الامم باسكان هذه الاقلية ضمن وحدات سكنية متجانسة تضمن حقوقهم الثقافية والدينية التي كانوا يتمتعون بها في السابق، لكن السلطات العراقيةوبريطانيا رفضتا التوصية وحالتا دون تنفيذها. واستبدل بالتوصية مشروع قرار عراقي - بريطاني يقضي بوضعهم في مناطق متفرقة تلغي الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها، فثار بعض الآشوريين على هذه الخطة بقيادة الشاب ماليك ياقو الذي اشتبكت مجموعته المسلحة مع السلطات العراقية قبل ان ترمي سلاحها وتهرب. وكانت حكومة رشيد عالي الكيلاني المتأثرة بأتاتورك امرت العقيد بكر صدقي كردي بتشكيل قوة ضاربة لسحق التمرد الآشوري. فاستباح الجيش العراقي منطقة "سميل" وارتكب مذبحة راوح عدد ضحاياها بين ألف وثلاثة آلاف قتيل. وترافقت الحملة مع عمليات سلب ونهب طاولت الكثير ممن لا علاقة لهم بالتمرد آنذاك. واعتقلت السلطات البطريرك مار شمعون ايشاي شمعون الذي سبق ان وضع في الاقامة الجبرية، إضافة الى ناشطين آخرين في الحركة الآشورية ونُفوا الى الخارج واسقطت الجنسية العراقية عنهم. انحصر التمرد بفئة صغيرة من الآشوريين وبالتحديد "الحكاريين"، لكن تبعاته شملت عدداً من ابناء هذه القومية. وكانت هذه المجزرة نقطة تحول لدى الآشوريين بطوائفهم المختلفة، فاعتبر الكثير منهم ان بريطانيا خانتهم، على رغم مساندتهم لها اثناء الحرب العالمية الأولى ضد الدولة العثمانية. وتبين لهم عدم وجود قوة عظمى تدعم حقوقهم ومطالبهم في العراق. ووجّه كثيرون اللوم الى القيادة الدينية على المآسي التي تعرض لها الآشوريون، الأمر الذي أدى في ما بعد الى انحسار دور الكنيسة القيادي وحصره بالقوى السياسية الآشورية. ويتهم البعض "الحكاريين" اتباع الكنيسة المشرقية النسطورية التي ترأسها في تلك الفترة البطريرك الشاب مار شمعون، بتنفيذ التمرد، أي انه كان عملاً يخص احدى الطوائف الدينية ولا علاقة للشعب الآشوري به. ويقول هؤلاء ان "سرمة خانم"، عمة البطريرك الصغير حرضت ابناء الطائفة على الدولة لاعتبارها ان تعاظم نفوذ الدولة المركزية في بغداد سيؤدي الى تهديد سلطة الكنيسة. التجربة الحزبية في عام 1934 تأسس الحزب الشيوعي العراقي على يد مجموعة من العراقيين على رأسهم الآشوريان يوسف سليمان فهد وبيتر باسيل. وكان تأسيس هذا الحزب منعطفاً في تاريخ الحركة الآشورية بعد انضمام الكثير من ابناء هذه الطائفة الى الحزب فساهموا في انفتاحه على الاقليات التي عانت من ظلم الانظمة المتعاقبة في بغداد. وعانى الآشوريون من قمع البعثيين لهذا الحزب لاحقاً في انقلابهم الأول عام 1963 ثم الثاني عام 1968. وأمعن ناظم كزار المعروف بعدائه الشديد للشيوعيين في تعذيبهم وقتلهم. الآشوريون والاكراد تعود الخلافات التاريخية بين الشعبين الى تأليب السلطات التركية والعراقية مجموعة على أخرى مستغلة في ذلك الاختلاف الديني والقومي. فكانت السلطات التركية تستخدم بعض الموالين لها من القبائل الكردية للإغارة على القرى الآشورية واغتيال زعمائها. وكان اكثرها ايلاماً قيام زعيم قبيلة الشيكاك الكردية اسماعيل آغا بإغتيال البطريرك مار بنيامين شمعون الذي يعتبره بعض الآشوريين من كبار شهدائهم، عام 1918. وخلف مار بنيامين البطريرك "ايشاي شمعون" الذي كان يبلغ من العمر 12 عاماً. وفي العهد الجمهوري في العراق، لعب الآشوريون دوراً مهماً في محاولة الحكومة العراقية مواجهة "الخطر الكردي" الساعي الى الحكم الذاتي او حتى الاستقلال. وتعززت هذه السياسة في ظل حكم البعث الثاني 1968 الذي منح الآشوريين حقوقهم الثقافية. وحاول النظام البعثي استمالة شخصيات آشورية تتمتع بنفوذ سياسي داخل العراق كانت نزعت منها الجنسية العراقية في العهد الملكي، من بينها البطريرك مار شمعون ايشاي شمعون وماليك ياقو. ولم يفلح النظام في كسب هذه الشخصيات بالشكل الذي يريد. فبعدما اصدر قانوناً عام 1970 بإعادة الجنسية الى المشاركين في اضطرابات عام 1933 ومنح الاقليات بعض حقوقهم، لم يبق البطريرك كثيراً في العراق وعبر وقتها عن استيائه من الوعود الفارغة التي قدمتها السلطات. وعندما وقع النظام البعثي عام 1975 اتفاقية الجزائر، شملت حملته التي شنها ضد الأكراد الطائفة الآشورية. وفي اواخر السبعينات تناول حزب البعث الحاكم "مسألة الأقليات"، واعتبر ان "نزوح الاقليات نحو التطور الثقافي والاجتماعي يجب ان ينسجم من نزوح الأمة العربية نحو الوحدة والحرية والاشتراكية، ويجب استئصال كل نزعة تسعى الى وضع الفوارق بين هذين النزوعين الطبيعيين". وسعى الحزب الى ضم الاقليات اليه، بصفته ممثلاً حصرياً للأمة العربية، فجاء في احد مقرراته: "صار امراً طبيعياً في العراق ان يكون الكردي بعثياً، والتركماني بعثياً، والسرياني بعثياً، شأنه في ذلك شأن اخيه وابن وطنه العربي". وقرر الحزب بعد ذلك "اعادة كتابة التاريخ" بهدف دمج تاريخ الاقليات العرقية والدينية في العراق بتاريخ الأمة العربية، لجعل العراق بكل تنوعاته وتاريخه بلداً بعثياً خالصاً. فأخفى النظام جميع الكتب والمراجع التاريخية من الجامعات والأسواق واستبدلها بقراءة جديدة لأحداث التاريخ تناسب ايديولوجيا البعث. ويعتبر بعض الآشوريين ان اطلاق تسمية "آثوريين" على بعضهم تهدف الى محو الجذور التاريخية لهذه الجماعة التي تعود الى آلاف السنين. وفي عام 1979 تأسست الحركة الديموقراطية الآشورية التي ضمت الكثير من اعضاء الأحزاب الكردية السابقين، خصوصاً الحزب الديموقراطي الكردستاني. وواصل النظام العراقي قمعه للآشوريين فشن حملة اعتقالات عام 1984 طاولت كوادر الحركة الديموقراطية الآشورية وأعضاءها، وحكم على 17 منهم بالمؤبد وعلى ثلاثة كوادر بالإعدام، ونفى الكثير من انصار الحركة الى الحدود التركية بحجة انهم ينتمون الى "التابعية العثمانية". ولم تنته فصول القمع في حقهم هنا، اذ شملتهم حملة الانفال التي قضت على آلاف الاكراد واستخدم فيها علي حسن المجيد الكيماوي الأسلحة الكيماوية. واستهدف علي "الكيماوي" في حملته قرى الآشوريين وكنائسهم واديرتهم التاريخية التي بني بعضها منذ اكثر من الف عام ودمرها. كما مسح الكثير من القرى الآشورية التاريخية عن الخريطة. وأقيم في بعض قراهم التي تتميز بمناظر طبيعية خلابة العشرات من قصور صدام حسين ونجليه. وبعد انتفاضة آذار مارس عام 1991 وتشكيل الحكم الذاتي في كردستان العراق، شاركت بعض الأحزاب والحركات الآشورية في هذه التجربة الديموقراطية، فتمثل الاشوريون في البرلمان والحكومة الكردية. وللحركة الديموقراطية الآشورية خمسة مقاعد في برلمان اقليم كردستان عام 1991، ومقعد وزاري وزارة الأشغال والاسكان. وتعتبر الحركة الديموقراطية الآشورية القوة الرئيسية في الوسط الآشوري، وشاركت في مؤتمرات المعارضة كافة، ويمثلها البرت ييلدا في اللجنة التنفيذية للمؤتمر العراقي الموحد الذي يقوده الدكتور احمد الجلبي. وشارك ممثل الكتلة الآشورية يونادم يوسف كنا في مؤتمر المعارضة الأخير 26/2/2003 في صلاح الدين شمال العراق. وتعمل الآن في كردستان العراق ثلاثة احزاب آشورية هي: الحزب الوطني الآشوري وحزب بين النهرين الديموقراطي تأسس في لندن عام 1991 والحركة الديموقراطية الآشورية. اما في المهجر الذي يضم نحو نصف مليون آشوري - عراقي من اصل نحو مليون وربع مليون، فأسس الآشوريون الكثير من الاتحادات والحركات والاحزاب في انحاء العالم، من بينها الاتحاد الآشوري العالمي الذي يعتبر نجل ماليك ياقو احد ابرز وجوهه. وكان للآشوريين في الولاياتالمتحدة عضوان في الكونغرس الاميركي هما آدم بنجامن مجلس الشيوخ وانا ايشو المجلس التمثيلي. وساهمت هذه الجالية في دفع الكونغرس الاميركي الى اصدار قرار يحض السلطات على محاربة تهريب الآثار الآشورية والحفاظ عليها. ولم تعد الكنائس الآشورية تلعب دوراً قيادياً، كما في السابق، وانحصر دورها في العمل الديني والدعوة الى الوحدة بين ابناء القومية الواحدة. وقال بطريرك كنيسة المشرق الآشورية مار دنخا الرابع في احدى عظاته عام 1997: "ان الامور السياسية والقومية مسألة متروكة للشعب الآشوري ولمنظماته السياسية والقومية والاجتماعية، وليس للكنيسة دخل مباشر فيها سوى التمني لأبناء الأمة الوحدة والسعي نحو الخير والتقدم".