لا يمكن لمن يرتاد مقهى "كاسبر آند غامبينيز" في بيروت ألا يلاحظ ذاك الشاب الأسمر الجالس وحيداً أمام أنابيب طويلة رفيعة يخلط فيها القهوة ثم يرتشفها جرعات صغيرة ويفكر ملياً بكل جرعة. وقد يخاله الناظر عامل مختبر يجري أبحاثاً وفحوصاً، لكنه في الواقع"كبير خبراء القهوة"في لبنان، و"الحكم الدولي"العربي الأول في تذوقها جو حايك الذي خصنا بقصته. كل شيء بدأ في 12 تموزيوليو 1999 عندما كنت طالباً أبحث عن عمل يساعدني في تأمين مصروفي، فإذا ب"كوفي شوب"افتتح حديثاً على مشارف بيروت يوظفني. كان ذلك الإنطلاق الاول لما صار الآن سلسلة كاملة من المقاهي في لبنان وبعض الدول العربية. أحببت المكان. فقد كان صغيراً وحميماً والناس فيه لطفاء. ويوماً بعد يوم وجدتني أغرم بمكان عملي، والناس والقهوة التي أعدها لهم... خصوصاً القهوة! بعد خمسة أشهر بدأ المقهى يتوسع وافتتح أول فرع له في الوسط التجاري الأنيق لمدينة بيروت، وما عاد بإمكاني إخفاء ولعي بالقهوة. فرحت أشرب كل يوم قهوة سوداء"سادة"، من دون سكر أو حليب أو أي إضافات لأتمكن من تحديد طعم كل صنف. وشيئاً فشيئاً صرت اقرأ عن تلك الحبة السوداء، وأبحث عن أي تفاصيل قد تفيدني، وأمضي الساعات ألتهم المعلومات وأقوي معارفي في هذا المجال. وما ساعدني أكثر أن إدارة المحل لم تعترض على الوقت الذي كنت أمضيه في البحث والتعلم، بل ساعدتني وزملائي في تنمية هذا الشغف بالقهوة. وصارت الإدارة توفدني الى المؤتمرات وورش العمل والمعارض الدولية التي تقيمها"جمعية أختصاصيي القهوة في الولاياتالمتحدة الأميركية"، و"جمعية أختصاصيي القهوة في أوروبا"، فكنت اعود محملاً بالشهادات والمعلومات... والجوائز. ثم حصلت على شهادة"الخبراء الدوليين"ومتخصصي القهوة العالميين بدرجة"ماستر باريستا"أو"كبير خبراء القهوة"ما زاد ثقتي بنفسي وإصراري على تقديم الأفضل. وصرت كالمهووس بالقهوة وبنوعية كل فنجان يقدم على الطاولات في مقهانا، وكنت اقول لنفسي"إما أن نقدم الأفضل أو لا نقدم شيئاً البتة". وبدأت أشارك غيري بمعارفي، ليس فقط زملائي في العمل وليس فقط بهدف تحسين أداء المقهى وإنما أيضاً حرصاً على ذوق الزبائن انفسهم. فصرت اقيم ندوات تثقيفية لروادنا الدائمين وأعلمهم كيف يميز الذواقة بين الجيد والسيئ من القهوة، وآخذ آراءهم في الاعتبار وأرشدهم كيف يستعملون حواسهم كلها قبل ارتشاف أول جرعة من الفنجان. فقد اردت لهم أن يقدروا منظر القهوة ويتحسسوا عبقها ثم يستمتعوا بطعمها. فامتحان التذوق مهم للغاية ويتطلب انتباهاً عالياً ودرجة تركيز مرتفعة. كل ذلك أدى بنا الى إنشاء"نادي القهوة"لزبائننا. وبعد كل ما أنجزت في هذا المجال، أعتقد أنه ما زال لدي الكثير لأتعلمه من عالم القهوة، وأنني بالتصميم والصبر والشغف سأقدم الكثير أيضاً.