ما بين الرشفة والأخرى لفنجان القهوة يمكن أن يولد صبح آخر.. وطن.. أو بعض من قطرات الحنين الغافي على ضفاف السواد ذلك الذي يمكن أن يخرج من هذا العشق الصباحي الأسود في تلك اللحظة التي قد يشترك كثير منا في احتسائه بطقوس معينة بفارق ما قد يجمع أفكارنا نحو مفاتيح النهار ونحن نفتش بين ثنيات الوقت على لحظة لا تتجاوز ال 5 دقائق لاستعادة الهدوء والمكوث قليلا بعيدا عن الزحام والضجيج الذي تسرب إلى حياتنا وقد يكون لكل منا طقوسه في ارتشافها وفي تحميصها واختيار لونها ما بين الداكن والأشقر وما بين الفنجان والآخر من تكات الدقائق وركض العقول في مواسم العمر وحقول التذكر وما قد تقوله ثرثرة الفناجين وهي ترتب طقوس الارتشاف ما بين الرشفة والشفة وما بين الاستغراق بعيدا في ارتشاف حبات السواد في لحظات التجلي التي تعطي لكل منا حقه في اختيار فنجانه وصناعة المفارقات ما بين فنجان القهوة والكتابة أو قراءة سطور التشابه ما بين المرأة وفنجان القهوة أو الاختلاف بينها وبين قوافل الغموض الذي يعترينا حينما نفكر في لحظات السكون الذي صرنا نحتاج إليه عندما يستفزنا الحنين إلى قهوة أمهاتنا وإلى زمان قد مضى كنا أكثر هدوءا كنا قادرين على المكوث لوقت كاف مع صناديق الذكريات الشهية عندما كنا صغارا لا نتذكر من الطفولة إلا وجهها وقوالبها البريئة ووجوهنا الملطخة ببقايا حلوى أو حكايات من عنب. ولنا من القهوة طقوسها ونكهتها وكتب الذكريات المفتوحة على قارعة الزمان ولنا منها غواية الصمت عندما تعود إلينا مغلفة ببقايا وقت قد يطل من شرفات الماضي أو الحاضر فلا فرق ففي حضرة «ربة السواد «لا يمكنك أن تختار أكثر من مواعيد للثرثرة مع أصدقائك على هذا النهر المفتوح من الكلام أو أن تختار فضيلة الكتابة أو الغياب أو اللامبالاة أو أن تظل وحيدا برفقتها لتجرب معاني الاختلاء معك لتسكن جوارب الصمت والحكايات البليدة التي تقولها لنفسك كلما ارتشفتها على مهل أو على عجل وأنت تعقد موعدك الجديد للتلاقي وتحكم إقفال النوافذ والدفاتر وتجيء إليها طواعية كي تستعيد طقوسك في تحميصها وغليها وشربها كما تحب حينها ستبدو كل الوجوه على صفحة الفنجان طافية مع القهوة التي تحبها لتعرف الفارق الكبير بين طواعية الأشياء وعنادها وبين ما جاء وما سوف يجيء وقد تكون أكثر بساطة واقترابا وهي تحاور الكتاب والدراويش والبسطاء الماكثين على منعطفات المقاهي أو عندما تشاغب الأرصفة وقد تكون راقية أحيانا فتسكن أفخم الفنادق كقاسم مشترك بين كل الأطياف يمكن أن تفرض مواعيدها وتقبل جميع الحاضرين لتصير أكثر شبها بأرغفة الخبز وبعض من القواسم التي يتشارك فيها البشر ولا يطغى أحد منهم على الآخر بقليل من السكر أو بزيادته أو حينما تشربها «سادة» بينما هي تحصي الغائبين وتعد حبات الرمال خلف أقدامهم متلبسة بالمواعيد الصباحية والمسائية وهي تضع في سجلات الحضور والانصراف مواعيد المتعبين إلى.. حد السكوت. يقول الشاعر محمود درويش: القهوة لا تُشرَب على عجل. القهوة أُختُ الوقت. تُحتَسى على مهل. القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة.