اعتبر الأمين العام لجمعية مصارف لبنان مكرم صادر أنه "لا يمكن الخروج من الأزمة الاقتصادية، التي تزداد خطورتها وتضعف الجسم الاقتصادي والاجتماعي، وتجعل من لبنان أقل مناعة وأكثر انكشافاً امام أي تطورات طارئة، إلاّ بوجود دولة قوية ومتماسكة يكون لها رؤية للخروج من الأزمة وسياسات محددة للوسائل والموارد المفترض توفيرها". وسأل صادر في حديث الى"الحياة"حول رؤيته للوضع الاقتصادي ورأيه في ورقة الاصلاح الاقتصادي والمالي وملاحظاته التي لم تنشر بتفاصيلها، عن كيفية الخروج من هذه الأزمة في ظل"غياب التوافق"على مستوى القيادات السياسية، وپ"الخلافات في العمق حول سلطة الدولة ودورها الاقتصادي والسياسي والأمني". اذ أوضح أن الدول التي"تمكنت من الخروج من أزمات شبيهة كانت لديها بنية دولة قوية وموثوقة ومجتمع أعمال يقدم المصلحة العامة فوق كل اعتبار مع تضحيات كبيرة تمتد لفترة لا تقل عن 10 الى 12 سنة من مختلف مكونات المجتمع". كما رأى أن الامر احتاج الى"برامج تصحيحية ساندتها أوساط دولية ذات صدقية وامكانات كبيرة، ضُخت لإعادة تخصيص الموارد في اتجاه القطاعات والنشاطات المنتجة للسلع والخدمات القابلة للتصدير والمنافسة". وأشار صادر الى"قلق الهيئات الاقتصادية المعبَّر عنه بأشكال وعلى مستويات مختلفة نتيجة هذه الاوضاع وصعوبتها"، موضحاً أن"هشاشة بُنى الدولة ومؤسساتها وضعف اداء وظائفها ونوعية الخدمات العامة الاساسية التي توفرها للاقتصاد والمجتمع، تشكل عناصر تترافق مع تضخم في حجم الدولة لجهة عدد الموظفين والكلفة العامة". اذ اعتبر أن معظم نفقات الدولة تمثل"تحويلات واعادة توزيع ودعم بما فيها كلفة المديونية العامة. وبذلك باتت الدولة بلكفتها عبئاً على الاقتصاد المنتج، بدلاً من أن تشكل رافعة لهذا الاقتصاد". ورأى أنه في ظل غياب"توافق وطني عميق على اعادة بناء الدولة بكل مقوماتها، صعوبة في استمرار الدولة في تأدية وظيفتها الاجتماعية والتوزيعية الى ما لا نهاية، لأن تمويل هذا الانفاق العام قد لا يكون سهلاً في السنوات المقبلة، كما تعود عليه مجتمع السياسة خلال السنوات الطويلة الماضية". الاقتصاد يتراجع عاماً بعد عام وتناول صادر الوضع الاقتصادي العام معتبراً أنه"يتراجع عاماً بعد عام"، لافتاً الى مؤشرات تدل على هذا التراجع وهي"معدلات النمو الضعيفة، وحركة هجرة الشباب اللبناني سنوياً وحجمها خطير جداً، واستمرار معدلات العجز في الحساب الجاري في حجم يفوق مبلغ 2.5 بليون دولار سنوياً ولسنوات طويلة". ولاحظ في مجال العجز في هذا الحساب أنه"في ضوء تركيبة المستوردات التي تطغى عليها السلع الاستهلاكية أو الوسيطة القريبة من السلع الاستهلاكية، من دون الآلات والمعدات المستعملة في عمليات الانتاج، يعني أن لبنان يعاني من فجوة في الموارد البنيوية تؤشر الى الاستهلاك المفرط والى ضعف الادخار، وبالتالي الى ضعف الاستثمارات الموجهة الى انتاج السلع والخدمات القابلة للتصدير". اذ لفت الى أن الاستثمارات الكبيرة"توظف في القطاع العقاري خصوصاً، الذي لا يزيد من معدلات النمو، نظراً الى بنية المدخلات المستوردة بمعظمها بما فيها اليد العاملة، كما لا يؤسس لزيادة في الطاقة الانتاجية في الاقتصاد مستقبلاً". ورأى الامين العام لجمعية المصارف أن هذه النقاط الثلاث"تعبّر في شكل واضح عن الازمة والاستمرار في تدهور الطاقة الانتاجية للاقتصاد اللبناني". وعن المعدلات التي سجلها النمو في السنوات الماضية، أوضح صادر أنه"من الطبيعي أن ترتفع معدلات النمو، وكان الاقتصاد سجل معدلات بلغت 3 و4 في المئة أو أكثر، بفعل عوامل الطلب الطارئة أو الظرفية"، لافتاً الى"ارتفاع أسعار النفط والفورة التي أنتجتها في المنطقة، ما أدى الى طلب ظرفي سمح بتسجيل هذه المعدلات". لكن صادر اعتبر أنه"لا يفترض أن تسجل هذه المعدلات تراجعاً كبيراً ولا قفزات كبيرة بسبب أحداث أو ظروف طارئة". كما رأى أنه"لا يمكن تفسير تواضع معدلات الفوائد بتفاقم المديونية العامة، اذ أن تمويل الدولة لم يحل دون تمويل القطاع الخاص، كما تشير الى ذلك معدلات نمو التسليفات للقطاع الخاص مقارنة بنمو الناتج المحلي الاجمالي، ومعدلات الفوائد الحقيقية مقارنة بمعدلات النمو الفعلية ومستوى السيولة المرتفعة في القطاع المصرفي مقارنة بالاقراض للقطاعين العام والخاص". تواضع معدل النمو وفي المقابل حدد صادر امكان تفسير تواضع معدلات نمو الاقتصاد اللبناني بأربعة تفسيرات، ربط الأول ب"ضعف معدلات الاستثمار التي تراجعت من 30 في المئة بين 1993 و1997 الى 20 في المئة بين عامي 2000 و2005، من دون تعويض هذا التراجع بزيادة القوى العاملة التي استمرت مستنزفة بالهجرة، وبزيادة التقدم التقني، والدليل الى ذلك تراجع استيراد الآلات بالأسعار الثابتة بمعدل 7 في المئة سنوياً منذ عام 1993 . كما لم يشجع ضعف المنافسة في السوق مجتمع الاعمال على زيادة انتاجيته". وفسّر صادر ذلك ب"غياب بنية ملائمة للوساطة المالية غير المصرفية، اذ تركز الوساطة المصرفية على المصارف التجارية ذات الموارد القصيرة الأجل دون مصارف الاستثمار ذات الموارد الذاتية الضخمة والقدرات التمويلية الملائمة والمجهزة بشرياً بالاختصاصات والخبرات المطلوبة". أما التفسير الثالث الممكن لتواضع معدل النمو، بحسب صادر فتمثل ب"عدم كفاية مناخ العمل والاستثمار وخصوصاً لجهة كلفة السلع والخدمات العامة ونوعيتها، وما تضيفه من أعباء غير مبررة على قطاع المؤسسات وسوق العمل بدل أن تكون عنصراً داعماً ومخففاً للتكاليف". والتفسير الاخير يتمثل ب"الآثار السلبية للنموذج الاقتصادي الذي كان سائداً في السنوات ال 12 الماضية، والمتمثل باستعمال التدفقات النقدية في تمويل الاستهلاك من طريق المديونيات العامة والخاصة. فتمت تلبية الطلب الاجمالي جزئياً من طريق استيراد السلع والخدمات بالأسعار العالمية، بينما ارتفعت بنية الأسعار الداخلية نتيجة الطلب الكبير الموجه للداخل. وتركزت تدريجاً وفي شكل متزايد الاستثمارات في النشاطات المنتجة للسلع والخدمات غير القابلة للتبادل مع الخارج، مع العلم أن الانتاجية فيها متدنية". واعتبر أنه بفعل ذلك"تأثرت ربحية المؤسسات وباتت لا تنتج قيمة مضافة لتغطية تكاليفها". الورقة الإصلاحية وعن تقويمه للورقة الاصلاحية، أكد صادر أن في ورقة الخطوط العريضة"اعترافاً بعمق الازمة وطابعها البنيوي وبعدم قابلية الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية على الاستمرار في المدى المتوسط من ثلاث الى خمس سنوات، ما يستدعي اصلاحات جذرية لئلا تتسارع وتائر الهجرة وتتسع رقع الفقر والبطالة، ولئلا تأكل خدمة الدين العام مداخيل الخزينة، ولئلا يتوقف اخيراً الاقتصاد عن تسجيل معدلات نمو أدنى من معدلات نمو السكان، فتتراجع بفعلها مستويات المعيشة". وبعدما عرض صادر الأهداف الثلاثة التي تتضمنها الورقة الاصلاحية والمتمثلة بتحديث الاقتصاد وحفز النمو بمعدلات تتراوح بين 4 و6 في المئة في المتوسط السنوي، وتوفير فرص عمل وتحسين المؤشرات الاجتماعية وتقوية شبكات الامان الاجتماعي، واخيراً تصحيح المالية العامة للدولة في خلال خمس سنوات بخفض عجز الخزينة من 10 الى 3 في المئة من الناتج المحلي ومعدل الدين العام الى الناتج من 174 الى 138 في المئة، اعتبر أن الورقة"تقر بأن خفض كتلة الدين بالاعتماد على الجهد الداخلي ليس كافياً لوضع المديونية في منحى انخفاضي، بل ان الديناميكية الذاتية لهذا الدين ستجعله يأخذ منحى تصاعدياً مجدداً، لذا يحتاج لبنان لئلا يعود الى هذه الحلقة المفرغة من العجوزات السنوية وتراكم المديونية بوتيرة أعلى من معدل نمو الاقتصاد، الى دعم مالي خارجي استثنائي على شكل إعانات فورية أو قروض ميسرة فتتراجع نسبة الدين الى الناتج من 138 الى 110 في المئة". ولكن صادر شدد في هذا الاطار على"الا تطغى معالجة المالية العامة على المعالجات الاخرى"، معتبراً أن"المديونية العامة ليست سبباً لتباطؤ النمو أو انعدامه، كما أن تصحيحها وحدها ليس كافياً لاطلاق عجلة النمو"، مؤكداً أن"السير المتوازن بها كلها في مقاربة واحدة ومترابطة مضموناً لا شكلاً، شرط للنجاح". اذ أوضح أن"اقتصار المعالجة على التصحيح المالي يهدد إمكانات النمو ويفاقم الوضع الاجتماعي، كما يشكل إهمال معالجة الاختلال المالي أو إغفاله ايضاً مخاطر محتمة لقدرة الاقتصاد على النمو، ويزيد من هشاشة الوضع الاجتماعي". لذا أكد أن"النمو الاقتصادي يبقى المدخل الأفضل لأي برنامج تصحيح مالي، على رغم كونه الأصعب". الحلول والمعالجات وعن صعوبة الحل، ربط صادر السبب ب"ضعف الطاقة الانتاجية للاقتصاد"، معتبراً أن"المنطلق لإعادة النمو يتمثل بمعالجة قطاع المؤسسات الخاصة". وعن المعالجات الممكنة، طرح صادر امكان هذه المعالجات على اربعة مستويات تتمثل في"إعادة نظر جذرية في تخصص المؤسسات، نظراً الى المشكلات البنيوية العائدة الى غياب الميزات التفاضلية، وهي معالجة طويلة ولكنها ليست مستحيلة، وتمتد من 10 الى 12 سنة، كما تحتاج الى مواكبة جدية من الاتحاد الاوروبي والدولة اللبنانية والقطاع الخاص". اما المستوى الثاني، فيقضي بتوفير"شروط الحوكمة ونظم المحاسبة والافصاح والنشر وشروط لفتح رأس المال والادراج في البورصة". ويتمثل المستوى الثالث ب"حل النزاعات، والمساءلة السياسية وتفعيل القانون والمحاكم، وتحسين بيئة الاعمال غير المواتية نظراً الى كلفة الادارات والمؤسسات العامة وسوء الخدمات العامة والفساد والهدر وحيازة الطبقة السياسية والزبائنية على جزء من القيمة المضافة". وتتم المعالجة على المستوى الرابع، بحسب ما قال صادر بإعادة تأهيل قطاع المؤسسات الخاصة Corporate Restructuring وتعني"إعادة رسملتها بتقنيات معروفة Debt/Equity Swap لدى مصارف الاستثمار والأعمال، ويتزامن ذلك مع ضخ أموال طويلة الأجل بأحجام كافية وفوائد مدروسة. كما تعني إعادة تنظيم المؤسسات وإداراتها وفتحها أمام تقنيات جديدة وشركاء استراتيجيين جدد، وجعلها شفّافة في نظم حساباتها وعملها، وأخيراً إدراجها في البورصة". واعتبر أن هذه المقاربة"تحتاج إلى خبرة وتقنية مصارف الأعمال والاستثمار Investment Banking Expertise بالتعاون مع مؤسسات مالية دولية، وإلى آليات لإعادة تمويل مصارف الاستثمار التي تتولّى إعادة الهيكلة المالية". وسأل:"هل يمكن الحكومة أن تُضَمِّن ورقتها لمؤتمر بيروت مثل هذه الجوانب؟ وهل يمكن أن يُستعمل جزء من أموال المساعدات والمنح التي يتوقع أن يحصل لبنان عليها لإعادة تأهيل قطاع المؤسسات، فتصبح ماليتها سليمة وتوفر فرص عمل جديدة وتجدّد طاقتها الإنتاجية، على أن تُعطى الأولوية للمؤسسات والقطاعات الأكثر قدرة على إنتاج السلع والخدمات القابلة للتصدير، ما يخفّض حجم العجز الخارجي؟". ورأى صادر أن هذا الأمر"ينطبق على قطاع المؤسسات العامة المنتجة للسلع والخدمات القابلة للتسويق تماماً كما قطاع المؤسسات الخاصة". ولفت الى مؤسسة كهرباء لبنان التي"تبقى المثال الأبرز لقطاع المؤسسات العامة. فالمطلوب إعادة هيكلتها بالكامل، إنتاجاً وتوزيعاً وجبايةً، في إطار سياسة عامة تُرسم لمجمل قطاع الطاقة في لبنان، لما ينطوي عليه من انعكاسات سلبية أو إيجابية على صعيد الاقتصاد ككل وعلى صعيد كلفة القطاع الخاص. وتطاول إعادة الهيكلة، من جهة أولى، الرسملة والتمويل الطويل الأجل، ومن جهة ثانية إدخال شريك استراتيجي، ومن جهة ثالثة نظم العمل والتنظيم الداخلي والنواحي التقنية والإدارية، وصولاً إلى إدراجها في البورصة".