عكست التطورات الأخيرة في الأزمة النووية الإيرانية وإعلان واشنطن استعدادها للتفاوض مع طهران في حال أوقفت تخصيب اليورانيوم، التراتبية الجديدة في صنع القرار في ولاية الرئيس جورج بوش الثانية، واستعادة وزارة الخارجية بقيادة كوندوليزا رايس زمام المبادرة في رسم السياسة الدولية وصنع التحالفات بدلاً من مكتب نائب الرئيس ديك تشيني. وأشارت تقارير إعلامية أمس إلى تولي رايس ومساعديها كل الجهود الديبلوماسية والتحالف الدولي التي تقودها واشنطن لردع طهران، في مقابل تراجع ملحوظ في نفوذ دوائر أخرى في الإدارة الأميركية، بينها مكتب نائب الرئيس ووزارة الدفاع البنتاغون. وتشير التقارير إلى أن تشيني الذي يعتبر أبرز صقور الإدارة والمحبذين لسياسة انفرادية أكثر بطشاً تجاه إيران، تساوره شكوك تجاه مدى جدوى العرض الأميركي للجلوس المشروط مع الإيرانيين على طاولة المفاوضات. وأشارت صحيفة"واشنطن بوست"إلى أن نائب الرئيس وافق على خيار المفاوضات في حال أوقفت إيران عمليات التخصيب، لنقل الكرة إلى ملعب إيران ولإثبات أفضلية الخيار العسكري في حال فشل الديبلوماسية. ويدعم تشيني في هذا التوجه وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، فيما تبدو رايس ومستشار الأمن القومي ستيفن هادلي، من أبرز المؤيدين للخط الديبلوماسي. وجاءت موافقة بوش على اقتراح رايس بالتفاوض المشروط مع طهران، بعد اجتماعات متكررة له مع قيادات دولية أبرزها لقائه الأخير رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل واللذين نصحاه باتباع هذا الخط. وشكل قرار بوش تحولاً عن السياسة الانفرادية التي طغت على ولايته الأولى، وخصوصاً إبان التحضير لحرب العراق. وأعاد القرار للخارجية الأميركية بعض النفوذ الذي كان قد تلاشى مع وزير الخارجية السابق كولن باول. وتحاول رايس، بحسب المراقبين، المحافظة على وحدة التحالف الدولي الذي تتزعمه القوى الست روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا والولايات المتحدة لردع طموحات إيران النووية ديبلوماسياً. وتضع رايس ثقلها السياسي والمعنوي وراء المهمة، في محاولة لإحداث اختراق ديبلوماسي في الملف قد يحدث انفراجاً في الأزمة ويحيي العلاقات الإيرانية - الأميركية بعد نحو 27 سنة من الانقطاع. ويتوقع أن يمنح اختراق كهذا الرئيس بوش، شرعية على المستوى الداخلي والخارجي قبل انتهاء ولايته في 2008. وسيحاول الجانب الأميركي بحسب الخبراء الاستفادة من دور الصين كوسيط بين واشنطنوطهران في هذه المرحلة، نظراً إلى علاقتها الوثيقة مع إيران. ويشدد المراقبون على أن فشل العملية الديبلوماسية التي تقودها رايس، سيعيد تشيني إلى قلب دائرة القرار، وسيعزز احتمالات الخيار العسكري.