قلما يترك وزراء دفاع الهند أثراً في الديبلوماسية العالمية. وعلى خلاف هذا يعمل وزير الدفاع الهندي الحالي، براناب موكرجي، على نقض الآية. وزيارته الى الولاياتالمتحدة، توقيتاً أو مضموناً، تفتتح عهداً جديداً في ديبلوماسية الهند الدفاعية. ففي أثناء الأسبوع الذي حذرت فيه الولاياتالمتحدة من التعبئة العسكرية الصينية، وظهر الى العلن تدهور العلاقات الصينية - اليابانية، زار موكوجي طوكيووبكين، وناقش في العاصمتين تطوير علاقات بلده الدفاعية بهما. وبعد أن صاغ موكرجي، العام الماضي، اطاراً دفاعياً جديداً وجريئاً تتعامل دولته بموجبه مع الولاياتالمتحدة، تبدو زيارته الى طوكيووبكينوسنغافورة، هذا العام، قرينة على دور الهند الجديد في ادارة أمن آسيا. وبعيد اعلانه عن جدول أعمال متألق للتعاون مع اليابان في مجال الدفاع، انتقل موكرجي الى الصين، وفي جعبته مهمة توطيد الثقة العسكرية بين الدولتين. ويتوقع أن تتبع الزيارة هذه زيارة أخرى الى سنغافورة، حيث ينعقد مؤتمر حوار"شنغري"الأمني السنوي. والحق أن الهند بقيت على هامش السياسات الأمنية بآسيا والمحيط الهندي طوال عقود. وفي أثناء الحرب الباردة، انتهجت سياسة عدم الانحياز، ولم تنسج علاقات عسكرية بالقوى العظمى. وعلى رغم شراء الهند كميات أسلحة كبيرة من الاتحاد السوفياتي، ظل إحجام الهند عن مباشرة العلاقات العسكرية والخطط الأمنية المشتركة لافتاً. وظلت دلهي تحض القوى غير الاقليمية، ومنها الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي، على اخلاء آسيا والمحيط الهندي. وفي حين لم يأخذ أحد شعار"المحيط الهندي منطقة سلام"على محمل الجد، ما عدا أوساط مؤتمر دلهي، تقلصت أهمية الهند الدفاعية في المنطقة شيئاً فشيئاً. وبقيت قدرة الهند على تقديم مساندة أمنية خارج شبه القارة ضئيلة للغاية. والى هذه الحقبة يعود تصريح لي كوان يو، رئيس الوزراء السنغافوري:"لا ريب في أن الهند شجرة ضخمة، ولكنها شجرة لم تبسط ظلاً آمناً حولها على الدول التي تصغرها". وهذا كله طواه النسيان. ودخلت الهند مرحلة علاقات عسكرية راجحة بالقوى العظمى، واقترحت تعاوناً أمنياً مع الدول الثانوية في المحيط الهندي وانضمت الى المبادرات المتعددة الأطراف لتطوير التعاون الأمني في المنطقة. وعلى رغم تقرب الهند عسكرياً من القوى العظمى واللاعبين الاقليميين، منذ نهاية الحرب الباردة، لم يترجم التنسيق بينها وبين المؤسسات العسكرية الأخرى الى دعم سياسي يؤدي الى توسيع النفوذ العسكري الهندي الى ما وراء حدود البلاد، إلا في السنتين المنصرمتين. فأصبح التعاون العسكري عنصراً بارزاً في ديبلوماسية الهند الاقليمية، أي في منطقة المحيط الهندي. فهي طورت علاقات دفاعية تقليدية بفييتنام. وبادرت الى تعاون عسكري جديد مع أندونيسيا والفيليبين. والاتفاقات الدفاعية التي وقعتها الهند مع سنغافورة وسريلانكا، في 2004، شاهد على استعدادها لمساعدة الدول الأخرى في المحيط الهندي. وتنافس الهندالصين على تزويد ميانمار بالأسلحة والمعدات. ويحتمل أن تسير على خطى بكين ونهجها في عقد اتفاقات بحرية مشتركة مع يانغون. وتوجه موكرجي الى جزر مالديف، وهو يحمل هدية للدولة ذات الموقع الاستراتيجي، سفينة، آملاً في ترسيخ"العلاقات المميزة"بين الدولتين. والى الغرب منها، قوت الهند علاقاتها الدفاعية بدول الخليج، ووطدت تعاونها الأمني مع جزيرة سيشيل. ولعل أوضح برهان على قدرة الهند هو استجابتها السريعة، إثر تسونامي في 2004. فتعاونت البحرية الهندية مع زميلاتها، الأميركية واليابانية والاسترالية، على انقاذ المنكوبين. وغداة أشهر على ذلك، أبحرت حاملة طائرات هندية في رحلة هي الأولى الى جنوب شرقي آسيا، فلاقت استقبالاً حاراً في موانئ سنغافورة وجاكارتا وكيلانغ بماليزيا. ومن الخطط الكبيرة رسم اطار عمل دفاعي مع الولاياتالمتحدة، نجم عنه برنامج عمل أمني اقليمي. ولحظ البرنامج حماية الحدود في بلدان المحيط الهندي، ومجابهة انتشار أسلحة الدمار الشامل. والبيان المشترك في نهاية زيارة موكرجي الى طوكيو، قرينة على برنامج مشابه في مجال التعاون الدفاعي مع اليابان. وإعلان الهندواليابان عن شراكة في مجال الأمن، للمرة الأولى منذ ستة عقود، سبب في بعث قلق الصين. فبكين تتابع بحذر تطورات الصفقة الدفاعية بين الهندوالولاياتالمتحدة. ويتولى موكرجي جلاء أي التباس في ذهن الصينيين حول تعاون بلده الأمني مع الولاياتالمتحدةواليابان. وبراءته من الإيقاع بطرف ثالث، خصوصاً بكين. عن س. رجا موهان،"انديان اكسبريس "الهندية ، 29/5/2006