تردد أخيراً أن الذراع الصينية الاقتصادية الممتدّة في المحيط الهندي تلتف حول عنق الهند. ونشرت الصحف الهندية مثل هذه المزاعم، إثر زيادة الصين استثماراتها في الدول المطلة على المحيط الهندي، خصوصاً في المنافذ البحرية الوازنة. فإلى مرفأ غوادر في باكستان الذي يؤمّن خط الإمداد الاقتصادي بين الصين وباكستان، تنتشر الاستثمارات الصينية في سريلانكا، وميانمار وبنغلادش. ويشير بعض التقارير إلى عزم الصين إلى استثمار 60 مليون يورو لتجديد ميناء جابهار الإيراني على الحدود مع باكستان، ما يُحكم الطوق على الهند. وقد يبدو هذا التوسع الاقتصادي كأنه حصار منسق للهند. لكن هذه المزاعم تخالف الواقع. فالصين لم تبدِ أي إشارة إلى سعيها إلى الهيمنة على المحيط الهندي أو بناء قواعد عسكرية بحرية خارج حدودها. فالمرافئ التي تستثمر فيها بكين ليس في مقدورها أداء دور عسكري. ميناء غوادر هو نقطة استراتيجيّة على مفترق الطرق الرئيسة بين أفريقيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط. وتسعى الصين من الاستثمار فيه إلى توسيع شبكة النقل لضمان سلامة الممرات البحرية والحفاظ على توازن القوى والاستقرار في المحيط الهندي. وضعف البنى التحتية في الميناء هذا، يُسقطه من اهتمامات البحرية الصينية، ولا يخوله أن يكون حلقة في سلسلة حزام تطويق عسكري للهند. ومومباي مدعوة إلى تقويم الخطوات التوسعيّة الصينيّة تقويماً «أفقياً»، أي مباشراً يرى الأمور كما هي، فالصين تبسط نفوذها العالمي مثل أي دولة عظمى، وهذا التوسيع يقتضي أن تشد عود علاقاتها بالدول المطلة على المحيط الهندي. ولا تقوض الخطوات الصينية النفوذ الهندي في المنطقة. فالهند قوة إقليميّة بارزة، تملك بحرية متطورة وحديثة. ويساهم تطوير علاقاتها بالدول الصغيرة المجاورة في القطاعات العسكرية في الحفاظ على مواقعها الاستراتيجيّة وامتيازاتها في المنطقة. وحريٌّ بالهند ودول المنطقة التي تتخوف من التمدد الصيني أن تدرك أنّ الصين ثابتة في سياستها في منطقة جنوب آسيا. ولطالما التزمت التعاون في مقاربة الهند وغيرها من دول المنطقة. والوجود الصيني في المحيط الهندي يساهم في تحفيز الاقتصاد والاستراتيجية الأمنية، أمّا المزاعم عن محاصرة الهند، فهي من بنات الخيال. قلق بعض الدول إزاء توسع الصين مبرّر و «طبيعي»، لكن التوسع هذا هو ثمرة بروزها قوة بحرية، وبروزها ليس مؤشراً إلى نيات عدوانيّة. فهي ملتزمة حماية مصالحها الإقتصادية المشروعة في المحيط الهندي. وفي هذا العالم المتعدد القُطب، على الصين والهند والولايات المتّحدة التعايش في إطار منظومة من الضوابط. ومع استمرار الصين والهند في بناء قوتيهما البحريتين، تبرز الحاجة إلى استثمار هذه القوى في ضبط الأمن وحماية سواحل المحيط الهندي عوض الدخول في نزاع للهيمنة على المحيط. لكن الخلافات والنزاعات تبقى كامنة واحتمال اشتعالها لا يخمد. لذا، يحتاج الطرفان إلى تعزيز التواصل والتعاون بينهما لمد جسور الثقة، وهو تعاون ممكن في مجالات كثيرة مثل محاربة القرصنة والإرهاب، والإغاثة في الكوارث. * استاذ زائر في جامعة شانغهاي، عن موقع «غلوبل تايمز» الصيني، 28/7/2013، إعداد علي شرف الدين