قبل أن يقرر المطرب العراقي حسين نعمة"اعتزال الغناء"، مفضلاً الانصراف الى شؤون حياته الشخصية، كان سجل مجموعة من الأغاني الجديدة في دمشق وعمان والقاهرة... عاد بعدها ليستقر في مدينة الناصرية، معتبراً قرار الاعتزال الذي اتخذه عن قناعة"قراراً لا رجعة عنه". وأوضح نعمة في حديث إلى"الحياة"أن"القرار لم يأت للهروب من فشل معين... فأنا امتلك عطاء في الفن لا ينضب، وما زلت واثقاً من نفسي فناناً وصوتاً وأداءً. وأغانيّ خير دليل على ذلك". ويؤكد حسين نعمة أن قرار اعتزال الغناء"لا يعود الى سبب شخصي، إنما هو موقف احتجاج على الاوضاع العامة التي يعيشها البلد"، لافتاً إلى أن"الثقافة في العراق ملغاة، ولا أهمية لها أو قيمة اعتبارية لأصحابها".ويضيف:"لا يهمني أن أكون أول المضحين، ولا يهمني الغناء بقدر ما يهمني أمن العراق والعراقيين"، مشيراً الى أن الظروف القاهرة التي يمر بها البلد"لا تتيح للفنان مواصلة عطائه". ويرى المطرب العراقي أن عدم التوازن بين طموحه وما يتطلع الى تحقيقه، وفقدان الأرضية الصالحة والمناخ الملائم لتحقيق ذلك، هي من أبرز العوائق التي تقف حاجزاً أمام تقديم الفن الجيد. كما اعتبر أن ما يحيط بالفنان والإنسان العراقي هو"حال ضبابية لا تساعد على الرؤية الصحيحة والسليمة، فضلاً عن عدم وجود من يقدر قيمته الإبداعية... يشعر الفنان الحقيقي بالألم وينتابه اليأس حين يجد نفسه قادراً على مواصلة العطاء من دون وجود الظروف المساعدة له على تقديم ما يطمح إليه. لذا، يضطر الفنان إلى الاعتزال". يرى حسين نعمة أن الفن تغير اليوم عما كان عليه في سبعينات القرن الماضي:"كنا أنا وفاضل عواد وياس خضر وفواد سالم، ثم حميد منصور وقحطان العطار وصلاح عبدالغفور ورياض احمد ورضا الخياط، نتمسك بروح الابتعاد من أسلوب المتاجرة بالفن. وكان كل منا يتميز بطريقة خاصة في الأداء. لذا ترانا حققنا تحولاً في المشهد الغنائي العراقي الذي كان بسيطاً ورتيباً... أحدثنا ثورة في الاغنية العراقية الجديدة، من ناحية الاتجاهات والأساليب، فجاء ما قدمناه واضحاً ومختلفاً عما قدمه الجيل الذي سبقنا". أما بالنسبة إلى الجيل الجديد،"فهم وقعوا ضحية التقليد وتحت تأثير ما وجدوه جاهزاً عند الشاعر والملحن، وما يعمم في القنوات الفضائية. نحن تأثرنا بإبداعات محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفيروز وداخل حسن ووديع الصافي، وهم تأثروا بعمرو دياب ونانسي عجرم. أتمنى أن يعودوا فيسمعوا ما سمعنا ويعرفوا أين تكمن منابع الأصالة". وضع سليم ومن هذا المنطلق يجد نعمة أن الوصول إلى وضع سليم للفنان العراقي يبدأ من"الاعتراف بالمبدع الحقيقي، بعد أن تتم عملية فرز تتولاها شخصيات نزيهة تتمتع بتاريخ فني حافل". ويقترح أن يتم تشييد مجمع أو قرية كبيرة في بغداد، يسكن فيها المبدعون في مجالات الموسيقى والمسرح والتشكيل والشعراء. ويشترط أن تصمم هذه المنازل بطريقة تناسب طموحات المبدعين،"فتتوافر فيها الاستوديوات والمسارح والنوادي الاجتماعية حتى يشعر الفنان بقيمته ويخدم وطنه في مناخ فني سليم". كما يطالب بإعادة تأسيس نقابة الفنانين واختيار النقيب والأعضاء من العناصر المبدعة والمعروفة بتاريخها وعطائها الفني. ويختتم نعمة بقوله:"لكي يكتمل الوضع السليم والصحيح للفنان العراقي، علينا إصدار قانون يحمي حقوق الشعراء والملحنين والمطربين وكل جوانب الفن العراقي في المسرح والفن التشكيلي والأدب والشعر، فيؤمن الفنان ضماناً لحياته وكرامته، هذا فضلاً عن سند مادي دائم يتناسب وقيمة تضحيته وعطائه".