استضافت بكين قمة منظمة شنغهاي للتعاون في 15 حزيران يونيو، وتحتفل المنظمة بذكرى مرور 5 سنوات على تأسيسها، بوصفها منتدى إقليمياً تأسس عام 1996، انحصرت وظيفته في البداية بمكافحة الإرهاب. وتضم المنظمة اليوم كازاخستان وقرغيزيا والصينوروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان. وتنتسب إليها منغوليا وباكستان والهند وإيران بصفة مراقب، علماً أن البلدان الثلاثة الأخيرة نالت هذه الصفة منذ سنة فقط. وهي تريد أن تتحول إلى تحالف سياسي عسكري قابل لإيجاد توازن مع الولاياتالمتحدة وحلف الأطلسي في المنطقة. وواضح ان قمة بكين أرادت أن تغير وجه منظمة شنغهاي، اذ حاولت التركيز على الدفاع عن المصالح القومية للدول الأعضاء، بالدرجة الأولى، ومصالح القوتين الكبريين في المنظمة روسياوالصين. فالمنظمة تريد أن تركز على مسائل التكامل الاقتصادي لمنطقة آسيا الوسطى وإنشاء الفضاء المشترك للتعاون الإنساني الإقليمي. يقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن المنظمة بلغت مرحلة"النضج"، وستكون لها مهمة دائمة لمراقبة الانتخابات، كنوع من البديل لمهمة منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، التي كانت روسيا تعتبر نتائجها"مسيّسة"كثيراً. ومن الآن سيتعزز التعاون العسكري، فمن المقرر إجراء مناورات عسكرية عام 2007، على غرار المناورات العسكرية التي أجريت بين روسياوالصين في إطار منظمة شنغهاي في آب اغسطس 2005 أُطلق على تلك المناورات"مناورة السلام"بين البلدين، وقيل إنها رسالة الى واشنطن واستعراض للقوة من خصمين سابقين في الحقبة الشيوعية في مواجهة المارد الأميركي الذي يسعى الى الهيمنة على العالم. وعلى رغم تأكيد روسياوالصين آنذاك أن المناورات لا تستهدف أي طرف ثالث كما لا تعكس سعي البلدين الى تشكيل تحالف أو تكتل عسكري بينهما، إلا أنها وجهت رسالة لواشنطن بأن كلا البلدين يعمل على تنامي قوته سعياً الى إحداث توازن مع القوة العسكرية الأميركية. وتريد روسيا التي تعتبر نفسها دولة أوروبية، ألا تفقد رؤيتها في"دعوتها الأوراسية"، وهو موضوع يعاد طرحه في الخطاب الرسمي للنخبة الحاكمة، المتشبثة بفكرة إعادة بناء القوة العظمى المفقودة. وإذا كانت روسيا تعاني ضائقة اقتصادية فأغلب الظن أنها ستتغلب عليها في سنوات قليلة من خلال تحالفات مع جيرانها خصوصاً الصين، عدوتها في الأمس. وعلاقة روسيابالصين اليوم في أحسن حالاتها بعد ترسيم الحدود بين البلدين والتي تمتد مسافة 4300 كيلومتر، وانطلقت ورشة بناء خط أنبوب آسيا - المحيط الهادئ والذي يدخل في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكووبكين في مجال الطاقة. فروسيا القوية اقتصادياً، بفضل دورها كمزوّد محوري للطاقة على الصعيد العالمي، تطمح الى أن تكون مجدداً قوة عظمى، وأحد المقررين الرئيسيين في القرن الحادي والعشرين، ولاعباً أساسياً قادراً على مواجهة الهيمنة الأميركية. واستهلت روسيا عام 2006 بإشارة رمزية قرب عودتها للساحة العالمية، كقطب دولي، عندما قطعت صادراتها من الغاز الطبيعي لأوكرانيا. وكان نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني زار كازاخستان بغية دعم التأييد لخطوط تصدير النفط والغاز الطبيعي التي ستتخطى الأراضي الروسية، وحذّر موسكو من تحويل صادرات النفط والغاز إلى"أدوات تهديد وابتزاز"، عن طريق التلاعب بالإمدادات أو محاولات احتكار عمليات النقل. حرب إقليمية؟ في منطقة الشرق الأوسط، تقدم لنا أحداث العراق الدموية منذ ما يقارب ثلاث سنوات من الاحتلال الأميركي، صورة عما سيكون عليه مستوى العنف إذا قيّض للإمبراطورية الأميركية أن تصطدم بإيران الطامحة إلى امتلاك السلاح النووي، واندلاع حرب إقليمية ذات بعد عالمي يكون مسرحها الشرق الأوسط. وإذ بتنا اليوم في حاجة إلى استراتيجية أميركية للخروج من العراق، بعد إخفاق استراتيجية"النصر"التي اعتمدتها إدارة الرئيس جورج بوش فإن الأزمة العراقية تحتاج تسوية دولية، يتمخض عنها اتفاق لتقاسم السلطة قابل للصمود بين السنة والشيعة والأكراد. وكثيراً ما تردد في مسامعنا أن العراق مصدر خطر على السلم العالمي، ولكن أليست إدارة بوش هي التي وضعت فيه جزءاً كبيراً من المتفجرات؟ ويشكل الملف النووي الإيراني تحدياًً جديداًً للنظام العالمي الأحادي القطبية، والعقوبات التي قد تفرض على طهران اذا رفضت العرض الغربي لا تضر الأعمال النووية لإيران، بل تضر شعبها وهذا سيزيد حدة العداء لأميركا. في شكل عام، خفف الرئيس بوش كثيراً الغطرسة التي طبعت ولايته الأولى، وهذا عائد إلى تزايد الإنتقادات الداخلية من الحزب الديموقراطي، والصحافة الأميركية لسياسته الخارجية التي تستبعد الحلفاء والشركاء، وتسعى إلى إعادة تشكيل العالم وفق الرؤية الأحادية القطبية. والولاياتالمتحدة لا تعاني مأزقاً في العراق أو افغانستان فحسب، بل إن العملية الانتخابية في أميركا اللاتينية، جديرة بالاهتمام، إذ إن اليسار هو الذي يحقق انتصارات، وهذا يعزز المحور المناهض للولايات المتحدة في القارة الجنوبية. وعلى رغم أن بلدان أميركا اللاتينية اعتنقت الليبرالية الاقتصادية في سياق العولمة الرأسمالية المتوحشة التي تقودها واشنطن، فإن العولمة زادت شعوبها فقراً على فقر الولاياتالمتحدة تلقت ضربات موجعة في حديقتها الخلفية مع مجيء رؤساء يساريين في بلدان أميركا اللاتينية، أمثال الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز الذي يقدّم خطاباً شعبوياً مناهضاً للامبريالية، والذي أعطاه الريع النفطي سلطات لم يستطع أن يحلم بها فيديل كاسترو، والبرازيلي لويس لولا دا سيلفا، والاورغواني تابار فاسكويز، والارجنتيني نيستور كريشنر، والبوليفي إيفو موراليس، والتشيلية الاشتراكية ميشال باشليه.. ما زال الرئيس الفرنسي ينادي بعالم متعدد الأقطاب كان أحد أبطاله، في مواجهة العالم الأحادي القطبية العزيز على قلب جورج بوش وصديقه توني بلير. وأوروبا الممسوكة بقوة من المحور الألماني ? الفرنسي، أصبحت أحد الأقطاب الرئيسيين لهذا العالم المتعدد، ما يفسر الصراع التنافسي الذي تخوضه مع الولاياتالمتحدة على مسرح الشرق الأوسط، وإفريقيا. ولسنا في زمن تواجه فيه الولاياتالمتحدة تحدياً مفتوحاًً مباشراً، كما في الحقبة السوفياتية، أو في عهد الجنرال ديغول والمحور الألماني ? الفرنسي مدة ربع قرن تقريباً. وإذا كان العالم لم يعد أحادي القطبية، فهذا لا يعني أنه أصبح متعدد الأقطاب، ولكن أليس في الطريق كي يصبح ثنائي القطبية؟ شكّلت قمة كوالالمبور الآسيوية التي جمعت دول جنوب شرقي آسيا، إضافة الى الصين واليابان، وأستراليا، ونيوزيلندا، والهند التي كانت تعتبر الصين عدوتها الأولى، وأصبحتا قوتين اقتصاديتين صاعدتين، تحديا ً جديداً لأميركا. وحدها الصين التي أصبحت القوة الاقتصادية الرابعة في العالم، تمتلك الوسائل الكافية لمنافسة الولاياتالمتحدة التي تخلت عن هديها إلى الديموقراطية. فمسألة تايوان والموازنة العسكرية الضخمة للصين، وقدرة الصواريخ الصينية العابرة القارات على تهديد نيويورك، أو المشاريع النووية لكوريا الشمالية، هذه المسائل مجتمعة تحول دون أن يكون قرار السلام في هذه المنطقة حكراً على واشنطن.