تردت العلاقات بين الولاياتالمتحدة ودول أميركا اللاتينية الى أدنى مستوى منذ نهاية الحرب الباردة. فبعد اعتداءات 11 أيلول سبتمبر، ضعف اهتمام واشنطن بالمنطقة، واقتصر التدخّل في الأحوال الطارئة. وبادلت دول المنطقة ضعف الاهتمام الشمالي بتضاؤل دعمها لسياسات واشنطن. فقلة من الحكومات الأميركية اللاتينية ترى الى الولاياتالمتحدة شريكاً موثوقاً. والحق ان الطرفين يفوتان فرصة. ففي وقت تحتاج إدارة بوش إلى حلفاء في أنحاء العالم، تفقد أميركا اللاتينية ثقتها في الولاياتالمتحدة وپ"أجندتها". فالتقدّم الديموقراطي تعثّر في المنطقة، والسبب هو الأداء الاقتصادي والاجتماعي السيئ. وعندما انتخب الرئيس بوش، أعلن أنّ أميركا اللاتينية من أولويات السياسة الخارجية الأميركية. وأشاد البيت الأبيض بالتقدّم نحو الديموقراطية، واقتصادات السوق، وأعلن عن عزمه على استكمال المفاوضات الرامية إلى إرساء ميثاق تجارة حرة وشراكة اقتصادية أشمل، وحلّ المشكلات المزمنة، مثل الهجرة وتجارة المخدرات. وبعد خمس سنوات، تغيّر توجه إدارة بوش، واستاء المسؤولون الأميركيون من العثرات والإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الإقليمية. وإلى ذلك، ضاقت واشنطن بموقف أميركا اللاتينية من سياستها على اثر اعتداءات 11 أيلول سبتمبر، مثل معارضتها اجتياح العراق. ونغّص ظهور الرئيس الفنزويلي، هوغو تشافيز تهديداً خطيراً ومزعجاً على واشنطن هناءها، وعكر عليها راحتها. ففي عهده، طوّرت فنزويلا علاقات متينة بكوبا. وها هي تدعم اقتصاد الجزيرة. ويعتقد بعضهم بواشنطن أنّ هذا الدعم يزيد انتقال السلطة، بعد كاسترو، تعقيداً ويساعد النظام القمعي على الاحتفاظ بالسلطة. ومطامح تشافيز لا تقتصر على بث الاضطراب في البلدان المجاورة. فهو أعرب عن نيته إنشاء تحالف واسع مناهض للولايات المتحدة يسعى في التحرر من برنامج واشنطن بالمنطقة واستبداله ببرنامجه هو. وتشعر واشنطن بالمرارة، فلم تحرك حكومة في اميركا اللاتينية ساكناً بإزاء تحدي تشافيز. والحكومات القريبة من واشنطن تميل الى شعارات الرئيس الفنزويلي المناهضة لبوش وأميركا. وإلى هذا، يعتري الولاياتالمتحدة القلق من دور الصين المتنامي في اميركا اللاتينية وغدت هذه مصدراً حيوياً للمواد الأولية والمنتجات الغذائية التي تستهلكها الصين. وفي السنوات الست الأخيرة، ارتفع الاستيراد الصيني من اميركا اللاتينية 60 في المئة في السنة. وتواجه بكين تحدياً سياسياً وديبلوماسياً في المنطقة: فمن 26 دولة تعترف بتايوان دولة صينية ثانية، ثمة 12 منها في أميركا اللاتينية أو البحر الكاريبي. وتزمع الصين تخفيض هذا العدد من طريق ديبلوماسية شرسة، وزيادة التعاون التجاري والمساعدات والاستثمارات. ومن ناحية أخرى، يرى بعض شعوب أميركا اللاتينية الى الصين بديلاً اقتصادياً وسياسياً عن السيطرة الأميركية. وأعلن الرئيس البرازيلي، لولا انه عازم على انشاء علاقة استراتيجية ببكين تشمل تجارة السلع التكنولوجية المتقدمة، والدعم المتبادل في المنظمات الدولية والتعاون الثقافي والعلمي. ولكن التكهّن بالأثر الصيني، الطويل الأمد، في أميركا اللاتينية، مبكر. فالتجارة الصينية مع أميركا اللاتينية، مثلاً، قد تتوسّع بسرعة، إلا أنّها لا تساوي 10 في المئة من حجم التجارة الأميركية في المنطقة. ولا تزال الصين بعيدة من القدرة على منافسة واشنطن. وبعض المعلّقين يتوقعون أنّ تؤدي علاقات الصين الوثيقة بكوبا، واهتمامها المتنامي بفنزويلا، وحضورها في باناما، الى جعل الصين خطراً أمنياً حقيقياً على الولاياتالمتحدة في المنطقة. ويتعاظم الشعور المناهض لواشنطن في بلدان أميركا اللاتينية. فالفقراء والاغنياء على حد سواء، يمقتون الاحادية العدائية التي تنتهجها ادارة بوش، ويدينون إهمالها دور المحافل الدولية واستخفافها بالمعايير العامة. وأظهر استطلاع في دول أميركا اللاتينية أن 86 في المئة لا يوافقون على ادارة واشنطن الأزمات في العالم. ويرون أنّ دفاع واشنطن عن حقوق الانسان والديموقراطية في ضوء حوادث وصور أبو غريب وغوانتانامو، مزاعم فارغة. والحق ان ما تحتاجه معظم بلدان أميركا اللاتينية من واشنطن هو علاقات اقتصادية منتجة كاتفاقات التجارة الحرة التي أبرمتها مع تشيلي في 2003. وثمة مسألة أخرى على جانب كبير من الأهمية، هي سياسة الهجرة التي تنتهجها واشنطن. ويرى سكان اميركا اللاتينية الهجرة حلاً لبطالتهم، والأجور المتدنية في بلدانهم. وهم يعتقدون أنّ على واشنطن قبول عدد أكبر من المهاجرين. ولكن عوض ذلك، عززت واشنطن الرقابة على حدودها، وحالت بين المهاجرين وبين دخول اراضيها والعمل في أريافها ومدنها. والأرجح ان تبقى المنطقة ثانوية المرتبة على سلم اولويات واشنطن، وسياستها الخارجية المنشغلة بمحاربة الإرهاب، وإحلال الأمن في العراق وإعادة بنائه، وفي الصراع العربي - الإسرائيلي وانتشار الأسلحة النووية. ولكن ثمة مبادرات في السياسة الاميركية قد تؤدي الى تحسين علاقة الطرفين، منها رغبة حكومات أميركا اللاتينية في تغيير السياسة الزراعية الاميركية، وتقليص الحواجز بوجه صادرات المنطقة الغذائية، وتخفيض التعريفات والحصص على السلع الرئيسية. وتؤدي هذه التغييرات، إذا أقرت، الى زيادة صادرات اميركا اللاتينية وفرص العمل، وتفتح الباب بوجه التجارة الاميركية والاستثمار في مضمار التكنولوجيا. وهذا ما تريده دول المنطقة من واشنطن. وتؤدي هذه الإصلاحات الى وضع حد للصراع بين البرازيل والأرجنتين، اكبر مصدّرين زراعيين في المنطقة. فعلى واشنطن، اولاً، ان تغيّر سياسة الهجرة التي تعتمدها، وتقدم مساعدات اقتصادية واجتماعية بشيء من السخاء. عن بيتر حكيم،"فورن أفيرز"الاميركية، 1-2/2006