يأتي سرطان عنق الرحم في الدرجة الثانية بعد سرطان الثدي لدى المرأة، وعدد ضحايا هذا السرطان آخذ في التصاعد. ونسبة وقوع هذا الورم تتباين من بلد الى آخر، ومن عرق الى آخر ومن عائلة الى أخرى في البلد نفسه. وما يعرف عن سرطان عنق الرحم ان نسبة حدوثه تختلف من وسط اجتماعي الى آخر، فهو يصيب أكثر الطبقات الشعبية الفقيرة، ويطال المتزوجات اكثر من العازبات، وتكثر مشاهدته لدى نساء تزوجن من رجال كانت لهم زوجات يعانين منه. كما ان حدوثه يرتفع لدى النساء المولدات اكثر من النساء القليلات الولادة ويصيب السرطان النساء اللواتي لديهن شركاء جنسيون عدة مقارنة بالنساء اللواتي يملكن شريكاً واحداً. وإضافة الى هذا فإن الالتهابات الجنسية الفيروسية والميكروبية، وضعف المناعة، وسوء التغذية، والتدخين، وقلة النظافة، وحبوب منع الحمل، كلها عوامل تسهم في شكل أو آخر في زرع بذور سرطان الرحم. ان سرطان عنق الرحم قليل في بلادنا العربية مقارنة بالدول الغربية، الا ان غالبية الحالات لا ترصد الا في مراحل متقدمة من المرض، وهذا ما ينعكس سلباً على نتائج العلاج. ان بداية سرطان عنق الرحم تكون خفية لا تترافق مع أي ضجة، من هنا فإن هذه المرحلة لا تصدر عنها عوارض أو علامات، تدل على وجوده، ولكن مع تطور السرطان، فإن المصابة تشكو من افرازات مهبلية بنية اللون، او من حدوث نزف دموي يتكرر من حين الى آخر خصوصاً بعد التعب والجهد والسفر او عقب الوصل الجنسي، وقد تشكو المريضة من نزوف دموية غير منتظمة في الفترة الواقعة ما بين طمثين متتاليين. ومع تطور السرطان قد تبدأ المرأة بالمعاناة من الألم أسفل البطن والحوض، وقد يضغط الورم على الأعضاء المجاورة كالمثانة والمستقيم مؤدياً الى مشاكل في التبرز وفي التبول. إن الكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم يمثل حجر الزاوية في الوقاية من هذا الورم. فالمعروف ان هذا السرطان يبدأ اولاً بتحولات وتبدلات نسيجية ما قبل سرطانية قبل ان يستوطن السرطان الفعلي، وهذا التحول يحتاج الى فترة طويلة نسبياً تقدر بپ10 الى 15 سنة، من هنا أهمية اللجوء الى الفحص الطبي الدوري لرصد الورم في مراحله الأولى قبل ان يفكر بإرسال جحافله طولاً وعرضاً. وخلال الفحص الطبي الدوري يقوم الطبيب بأخذ مسحة لطاخة من عنق الرحم يتم فحصها مخبرياً، فاذا جاء التقرير مشيراً الى تبدلات نسيجية مشبوهة يتم اللجوء الى اجراءات أخرى أكثر تعقيداً، اذ يقوم الطبيب المختص بعملية تنظير لعنق الرحم بعد حقنه بمادة ملونة تمكن من تحديد الآفة التي يتم أخذ خزعة منها لفحصها بدقة. وعند اكتشاف الورم في مرحلته ما قبل السرطانية يلجأ الطبيب الى رشقه بأشعة الليزر لتدمير الخلايا المشبوهة من دون ان يتأثر عنق الرحم. ايضاً يمكن استعمال الكي الكهربائي، او الكي بالبرودة، بدلاً من اشعة الليزر، وفي حال الضرورة يم بتر الجزء المصاب من عنق الرحم. ان العلاج الآنف الذكر يعطي نتائج ممتازة. اما في حال حدوث تغيرات سرطانية في عنق الرحم، وكانت في مرحلة مبكرة، فهناك حلاّن: الحل الاول هو ازالة الجزء المصاب جراحياً عند السيدات صغيرات السن والراغبات في الحمل، اما الحل الثاني فهو استئصال الرحم كلياً عند النساء اللاتي قطعن سن الانجاب. واذا كان سرطان عنق الرحم في مرحلة متأخرة فإن العلاج يختلف بحسب الدرجة التي وصل اليها، وهذا العلاج قد يكون جراحياً او شعاعياً او كيماوياً. صحيح ان عمل المسحة المهبلية يعطي نتائج طيبة على صعيد الكشف المبكر للسرطان، الا ان الوقاية منه تبقى الحجر الاساس، وهذه الوقاية تقوم على الآتي: الاهتمام والعناية بنظافة الاعضاء التناسلية. مراجعة الطبيب عند ظهور أي عارض مشبوه. إجراء المسحة المهبلية دورياً من دون تقاعس او إهمال. علاج الآفات التناسلية بصرامة. الالتزام بالعفة والحياة الجنسية السليمة. هناك نقطة اخيرة لا بد من التنويه بها، وهي ظهور لقاح ضد سرطان عنق الرحم الناتج عن الإصابة بفيروس الاورام الحليمية، وهذا اللقاح هو من انتاج شركة ميرك، ويعد انجازاً مهماً في عالم الطب ويؤمن حماية كاملة ضد الفيروس المذكور. ويعطى اللقاح للفتيات اللاتي تتأرجح أعمارهن بين ست الى ست وعشرين سنة.