أثارت مواد مسودة الدستور العراقي النفطية 108 و 109 و 111 تساؤلات وانتقادات كثيرة. وبما أن الباب لا يزال مفتوحاً لإعادة النظر في هذه المواد وإمكان تعديلها. هنا جزء ثان من دراسة قد تكون لها أهمية لمستقبل العراق الاقتصادي وللصناعة النفطية الإقليمية عموماً. سياسة نفطية متوازنة - اعادة شركة النفط الوطنية الى حالها السابق الذي اثبت نجاحها في الماضي. لقد طورت قدرة انتاج تزيد على 3.5 مليون برميل في اليوم في بضع سنوات، بعد ان كانت 1.5 مليون برميل في اليوم، وأضافت مخزونات نفطية قياسية بمعدل يزيد على 6 بلايين برميل في السنة خلال السبعينات. وطالما بقي الاقتصاد العراقي معتمداً على العائدات النفطية شبه كلياً، ضروري جداً بناء صناعة نفطية وطنية تمنح الاستقلال الاداري والمالي من اجل اداء دور رئيس في تطوير الصناعة النفطية للبلاد. وان ذلك سيضمن عمليات الاستكشاف والتطوير المنظمين، والقرارات المرتكزة الى الاولويات التقنية والتجارية والتدفق الامثل للدخل على الخزينة. - ان الحاجة لرأس المال الكبير للاستثمار من اجل تطوير النفط والغاز مستقبلاً ينبغي ألا يؤخذ كعذر لتبني الشركات النفطية العالمية كبديل للوطنية. ان بناء طاقة انتاج برميل واحد في اليوم 365 برميلاً في السنة تكلف زهاء 5000 دولار. والصناعة النفطية في اماكن اخرى بنيت من قبل شركات النفط العالمية من خلال قروض بحدود 80 الى 90 في المئة من رأس المال المطلوب للاستثمار، وان رأسمال المقترض قدره 5000 دولار لبناء معدل برميل واحد في اليوم يمكن ان يدفع في اقل من 100 يوم من الانتاج بسعر سوق اليوم. وان قرضاً قصير الاجل في ظل ظروف كهذه يسهل الحصول عليه. ولن تختلف الحال كثيراً في ظل سوق تهبط الى 35-40 دولاراً للبرميل. وهكذا ففي حين ان الاستثمار في سبيل تطوير سريع للنفط من قبل شركات النفط العالمية يمكن الاعتماد عليه، علينا الا نطلق العنان لمنافع مبالغ فيها. - إن الشراكة بين شركة النفط الوطنية وشركات النفط العالمية هي أفضل خيار لسياسة متوازنة للإسراع في بناء صناعة نفط عراقية بأبعاد تتناسب مع قاعدة مواردها الهائلة. وهذا مفضل على مساوئ العمليات التي تتفرد بها شركات النفط العالمية، بصرف النظر عن شكل تعاقدها. الشراكة مع شركة النفط الوطنية العراقية هي ايضاً السبيل المفضل للشركات النفطية الكبرى. وهي توفر انتقال التقنية والادارة وتسهيل متطلبات استثمار رأس المال وتضمن تطوراً متناسقاً وتسويقا أفضل لتصدير النفط. وفي مطلق الأحوال، ليس هناك اي نموذج تعاقدي عالمي سواء كان عقد انتاج مشترك PSA أو غيره. إن الظروف المختلفة تتطلب عقوداً مختلفة في ظل اسواق وظروف تنافسية مختلفة وهذا يشمل جميع أنواع العقود مثل عقود الانتاج المشترك أو عقود الأسترجاع وعقود الخدمة وعقود الضريبة/ الملكية. * أن محدودية صناعة النفط في العراق اليوم تجعل تطوير قدرات حقول النفط بسرعة أمراً صعباً بمعزل عن الاختلال الخطير للامن وعدم الاستقرار وغياب حكومة لها سلطة كاملة على البلاد، بسبب عدم توافر الشخصيات الخبيرة في ادارة النفط الواجب توافرها من اجل التطويرالسريع للحقول، والافتقار الى التقنية الحديثة. ان شركة نفط وطنية عراقية فاعلة تعمل بالتعاون مع شركات النفط العالمية في تطوير حقول النفط توفر حلولاً لمحدودية التقنية والادارة، وسبيلاً متوازناً بين احتكار الدولة الكامل للنفظ والسوق الحرة المسيطرة عليها من قبل شركات النفط العالمية. - ان الاعتماد المتزايد على شركات النفط العالمية مع دور متناقص او غائب للشركة الوطنية العراقية يحرم البلاد من الاستقلال الاقتصادي ويعرضها لأخطار جسيمة خلال الظروف التي تكون فيها التزامات الشركات العالمية ازاء حملة اسهمها او انتمائها الوطني مفضلة على مصالح العراق الوطنية. - ان التنقيب عن النفط وتطويره سيحتاجان لرأسمال كبير، أما أن يستخدم رأس المال وسيلة لايجاد وظائف في الأقاليم والمحافظات فهو تبذير يجب وقفه. ان النفط والغاز هما ملك الشعب بأكمله، وينبغي ان يبقيا آلة بيد الدولة من اجل خلق رأسمال للبلد ككل. وعلى اية حال فان كثيراً من الخدمات النفطية مثل الحفر والمسوحات الجيولوجية والزلزالية واختبار الآبار بمختلف المعدات وغيرها يمكن تخصيصها لايجاد فرص استثمار ووظائف اوسع وأعم في الأقاليم والمحافظات. وبالطريقة نفسها فان يمكن تخصيص كثير من مراحل العمل لقطاع التوزيع والتصفية. وعلى اي حال فان التخطيط السليم خلال مدة معقولة والمحافظة على حقوق العمل يجب ان تدعم. - وفضلاً عن ذلك فإن"المكون الوطني" التزامات على شركات النفط العالمية باحالة بعض وظائف الصناعة الى اهل البلد للحد من الاعتماد الكامل عليها لتوفير الثروة والعمل للسكان ينبغي تبنيه وتعزيزه بوصفه سياسة تعاقدية ملزمة. ففي ايران والاتحاد السوفياتي سابقاً يمثل"المكون الوطني"51 في المئة وفي النروج 70 في المئة. وقد عمل به من اجل المصلحة المشتركة لشركات النفط العالمية والدول المضيفة. وقبلت في اماكن اخرى وليس من سبب لعدم تبنيه في العراق، ومثل أي شي جديد يجب بناؤه تدريجياً وبموجب القوانين والانظمة لتجنب انتهاكه. - ان سياسة توظيف ترتكز الى التقسيمات الطائفية والعرقية وليس الى الكفاءة وتسييس السياسة والادارة النفطية، تعوق تطور صناعة نفطية كفوءة وشفافة وعرضة للمحاسبة في العراق. كما يجب تصحيح الطريقة التي يجرى فيها العمل وتعيين التكنوقراط ذوي الكفاءة بغض النظر عن انتمائهم، وهو أمر لا غنى عنه من اجل تصحيح الكثير من الأخطاء التي تحدث الآن جراء السياسية الطائفية التي أدت الى تسرب الكفاءات من وزارة النفط. - ان مواد الدستور المتعلقة بمسائل النفط والغاز نصت من قبل زعماء الاحزاب السياسية الحاكمة. واجريت على المسودة تغييرات أعدتها اللجنة البرلمانية للاعداد في معزل عن الحقائق الادارية والتقنية والاقتصادية للصناعة. وان عملاً من شأنه ان يعدل فقرات الدستور التي تنظم ما يتعلق بإدارة واعداد سياسة استراتيجية للنفظ والغاز هو عمل نحن بأمس الحاجة اليه لايجاد الظروف الملائمة من اجل صناعة نفطية كفوءة ونامية وشفافة وعرضة للمحاسبة ومنصفة للموجودات الحالية الهائلة والمتوقعة. وهذا بدوره سيخلق حقاً الظروف التي تساعد على إعطاء أبعاد حقيقية للفقرة 108 التي تنص على ان"النفط والغاز هما ملك الأمة والشعب في كل الاقاليم والمحافظات". إجراءات تصحيحية - إن تفعيل المادتين 108 ، 111 كما هو وارد آنفاً، يؤدي إلى نتائج من شأنها إلحاق ضرر بليغ بالدولة ولا يحقق توزيعاً عادلاً للثروة، والمنفعة للشعب بموجب المادة 108 وهو لن يضمن أعلى نسبة من المنفعة للأمة الشعب ما لم نجر عملية تصحيح تتضمن، من بين أمور أخرى: - فصل قضية إدارة صناعة النفط عن قضية توزيع العائدات. فالقضية الأولى ينبغي اختبارها من ثم النص عليها مع أخذ إدارة صناعة النفط في الاعتبار بطريقة تأتي بصناعة نفط عراقية رصينة وتسعى إلى تكاملها من اجل الحصول على مردود يتماشى مع غناها الطبيعي الذي يمكن أن يجعل البلاد في مرتبة المملكة العربية السعودية، الأولى في العالم. ومعالجة القضية الثانية ينبغي أن ترتكز إلى الإنصاف والعدالة واحتياجات كل محافظة وإقليم، في سياسة التطور الاقتصادي والاجتماعي للبلاد والشعب بعيداً من الاستناد إلى أسس عرقية أو طائفية وإغراء السيطرة على الثروة المخزونة تحت ارض كل منها. إن المعادن في باطن الأرض لا يملكها أصحاب الأرض التي فوقها. والمادة 108 تؤكد ذلك. إن إجراءات تصحيحية ينبغي التفكير فيها لتفادي نتائج مدمرة لا مفر منها. ويجب اختيار كلمات النص بدقة من اجل الابتعاد عن التشويش الناجم عن اللغة غير الدقيقة للنص الحالي. ان المعايير يجب أن تتضمن: - الحاجة إلى استخدام سياسات وخطط نفطية موحدة خالية من الأغراض غير الضرورية والمتقاطعة المتنافسة بين الحكومة الفيديرالية وحكومات الأقاليم والمحافظات، بين الأقاليم والمحافظات التي تخلق الفرقة والحسد بين الأطراف الغنية بالنفط والفقيرة منها. - تبني قانون هايدروكاربوني يضع الأساس لشركة نفط وطنية بوصفها المنفذ الرئيس في البلد، في ظل قواعد سلامة وعرف تقني وتجاري لممارسة استكشاف وتطوير النفط والغاز في جميع الأقاليم والمحافظات بشفافية وكفاءة وتعرض للمحاسبة. - يجب أن تعمل شركة النفط الوطنية العراقية بصورة مستقلة أو بالاشتراك مع شركات النفط العالمية بموجب نماذج من المقاولات المقبولة والمتوازنة دولياً، مع"كون وطني"يضمن أفضل المنافع للأمة ويشجع الاستثمار الخاص ويسمح بمردودات عادلة لشركات النفط العالمية بموجب قواعد وأنظمة واضحة لضمان محيط اجتماعي وسياسي مستقر. - لذا فإن حلاً جذرياً يحقق مطالب المادة 108 ويضع صناعة النفط والغاز العراقية على االطريق الصحيح، يتطلب تضمين المادة 109 الخاصة ب"الاستكشاف والتطوير"من اجل اكتشاف وتطوير مخزونات النفط والغاز الهائلة المحتملة فضلاً عن إدارة الإنتاج والعمليات. - المادة 109 كما يجب قراءة الآتي: الحكومة الفدرالية تقوم بإدارة إنتاج النفط والغاز من الحقول المكتشفة والمنتجة وكذلك عمليات الاستكشاف والإنتاج الضرورية لاكتشاف الموارد النفطية والغازية المحتملة. وهذا يتضمن إلغاء الفقرات من المادة 111 التي توكل الاستكشاف المستقبلي إلى حكومات الأقاليم والمحافظات وتعطيها الحق بتجاوز الحكومة الفيديرالية في حال الخلاف أو النزاع. وليس صحيحاً ولا عملياً ولا مقبولاً لأي قسم من الشعب أن يحكم الشعب برمته. إن التشاور والتمثيل في صنع القرار السياسي والإداري ينبغي أن يوفرا الحلول المنطقية المنشودة. - جعل شركة النفط الوطنية الشركة ألام في عمليات شركات النفط في الأقاليم أن نواة ذلك في الحقيقة موجودة في شركات نفط الشمال والجنوب في الوقت الحاضر ويكون مديروها أعضاء في مجلس إدارة شركة النفط الوطنية وذلك سيوفر دوراً مؤثراً للأقاليم والمحافظات في جميع عمليات النفط والغاز في البلد بأكمله بالاشتراك مع الحكومة الفيديرالية. - من اجل تطوير مثمر للصناعة النفطية يضمن أعلى فائدة للأمة ضروري أن توجد إشارة في الدستور لتشريع قانون هيدروكاربوني يصادق من بين أمور أخرى على جعل العمليات المتعلقة بالجوانب العليا الاستكشاف والإنتاج والسفلى التصفية والتوزيع من اختصاص شركة نفط وطنية، في حين إن وزارة النفط واللجنة العليا للطاقة تركز على سياسة التخطيط الاستراتيجي والإشراف التنظيمي الشامل. - يجب وضع سياسة النفط التي تنتهجها وزارة النفط بالتشاور مع الأقاليم والمحافظات من خلال هيئة استشارية تتكون من المنظمات غير الحكومية ذات العلاقة، وتكنوقراط النفط لهم تمثيل للأقاليم والمحافظات والسياسة. عندئذ يجب المصادقة عليها من قبل مجلس الوزراء الذي يمثل أعضاء البرلمان المنتخبين من جميع الأقاليم. - ومن اجل أن تصبح اتفاقات النفط والغاز التي يجري التفاوض عليها مع الشركات العالمية ومع بلدان أخرى وبين الأقاليم نافذة المفعول، ينبغي أن تحصل على موافقة البرلمان للتأكد من أن شروطها وموادها مناسبة للقانون الهايدروكاربوني، والمعايير الدستورية للمادة 108 وتحصل على قبول ممثلي الأقاليم والمحافظات كافة والشعب بأجمعه. - في حال عدم تغير مواد الدستور فإن الأقاليم والمحافظات يحتمل أن تتجه إلى اعتماد اتفاقات الإنتاج المشتركة غير المدروسة أو العادلة بالجملة، والى التعاقد مع شركات الدرجة الثانية، ما يؤدي إلى نتائج مدمرة مر ذكرها. وذلك سيعد من قبل النقاد تخصيصاً من الباب الخلفي. وأنها سياسية معروف عنها مسبقاً انها مرفوضة من الشعب. * مدير تنفيذي مؤسس في شركة النفط الوطنية العراقية