عقد المركز العراقي للتنمية والحوار الدولي ندوة اقتصادية في عمان بتاريخ 25 تشرين الثاني نوفمبر 2005 حول"مستقبل الاقتصاد العراقي و إدارة القطاع النفطي وموارده". وشارك فيها أكثر من ستين خبيراً عراقياً في الشؤون الاقتصادية والنفطية من داخل العراق وخارجه، بالإضافة إلى ممثلين عن منظمات الأممالمتحدة وهيئات رجال الأعمال وعدد من الضيوف العرب. وفي بداية الندوة رحب مهدي الحافظ رئيس المركز العراقي للتنمية والحوار الدولي بالمشاركين، وعرض ملامح الوضع الاقتصادي الراهن لا سيما التحديات التي تواجهها البلاد، وفي مقدمها الموارد المالية التي لا يمكن إعادة الإعمار ومعالجة مهمات التنمية الشاملة من دونها. ثم قدم فاضل الجلبي، المدير التنفيذي للمركز العالمي لدراسات الطاقة، ورقة أشار فيها إلى مستقبل العراق الغامض والحالك، والى أن الأمور ستزداد سوءاً ما لم تتخذ إجراءات مناسبة لمواجهة المتطلبات المالية والإدارية والسياسية الملحة. وبما أن الصناعة النفطية والموارد المالية التي تأتي بها هي العماد الرئيس للاقتصاد العراقي، لذا فإن المسألة المهمة هي كيفية وسرعة تطوير الاحتياط النفطي، وفي أي ظروف سياسية وصناعية وتقنية. وقدر الباحث أن نتيجة للحروب والحصار خسر العراق ما قيمته 400 بليون دولار من العائدات النفطية منذ عام 1980 إلى 2002، وأن نتيجة لذلك، ولأسباب كثيرة أخرى، يعيش 70 في المئة من السكان تحت خط الفقر. وحدد الجلبي التحديات الاقتصادية في الوقت الحاضر بما يلي: 1 - تجديد البنى التحتية المدمرة، بما فيها المتعلقة بقطاع النفط. 2 - تبني برنامج استثماري مكثف لزيادة دخل الفرد وإيجاد فرص العمل. 3 - خدمة الديون الخارجية وتعويضات الحرب. 4 - تمويل الواردات الرأسمالية والاستهلاكية. 5 - إيجاد ما يكفي من النقد الأجنبي من أجل دعم العملة الوطنية ومكافحة التضخم. وذكر ان الحصول على الموارد المالية المناسبة لمواجهة هذه التحديات ممكن من خلال زيادة الإنتاج النفطي من الحقول المكتشفة وغير المستغلة. وتشير تقديرات وزارة النفط منذ نهاية السبعينات الى أن من الممكن زيادة الإنتاج إلى ما بين 5.5 وپ6 ملايين برميل يومياً. وسأل عن طريقة إدارة صناعة النفط، وخصوصاً القطاع ككل في ظل الجو السياسي المخيم على البلاد اليوم، والفساد المستشري في جميع القطاعات الاقتصادية. واعتبر أخيراً، ان هناك تخوفاً من أن مواد الدستور ذات العلاقة تبقى غامضة ولا تشجع على انطلاق الصناعة النفطية بشكل رشيد واقتصادي. وما الخلاف ما بين المادتين 108 وپ109 حول دور حكومة المركز والمحافظات والأقاليم إلا مثال واحد على ذلك. وأشار الجلبي الى أن حجم الريع النفطي العراقي مستقبلاً سيعتمد على الأمن والاستقرار في البلاد، وسرعة تطوير الصناعة النفطية، وحجم الطلب الدولي وتأثير ذلك على الأسعار العالمية. كما قدمت ورقة الخبير طارق شفيق نائب الرئيس السابق لشركة النفط الوطنية العراقية تحليلاً"لمواد الدستور العراقي المتعلقة بالقضية النفطية"أكد فيها ضرورة تواجد سياسة نفطية موحدة للعراق من أجل الاستفادة القصوى من الموارد المالية والفنية والبشرية المتاحة، وأنه بدون ذلك سيعم الفساد وسوء الإدارة في القطاع النفطي أكثر مما هو عليه اليوم. واقترح سياسة توفق بين مهمات ومسؤوليات شركة النفط الوطنية المقترحة والشركات الأجنبية من جهة، وما بين المركز والمحافظات والأقاليم من جهة أخرى. وأن من أجل الوصول إلى هذه السياسة التوفيقية يتوجب تعديل مواد الدستور النفطية لتأخذ هذه المعطيات في الاعتبار. وتلا هاتين الورقتين تعقيبات من وزير النفط السابق المهندس ثامر غضبان الذي أكد أن الفيديرالية هي السمة الجديدة للدولة العراقية، وأن على رغم بعض الغموض الذي لا يزال يكتنف صلاحيات المركز والأقاليم والمحافظات، فإن المجال مفتوح أمام الجمعية العمومية التي سيتم انتخابها في 15 كانون الأول ديسمبر، والحكومة المقبلة في تبني قانون هيدروكربوني يوضح العلاقات بشكل أدق، وذلك من أجل زيادة الطاقة الإنتاجية. وذكر وزير النفط الأسبق المهندس عصام الجلبي أن وضع المكامن النفطية، بعد سنوات من الإهمال وفقدان الصيانة اللازمة، قد ساء كثيراً مما سيجعل الكلفة أكبر لزيادة الطاقة الإنتاجية. كما انتقد مواد الدستور النفطية وتضارب الصلاحيات بين الحكومة المركزية من جهة، والأقاليم والمحافظات من جهة أخرى، وطالب بالتفريق ما بين سياسة وإدارة موحدة للصناعة النفطية وما بين توزيع الثروة النفطية. وأشار المهندس الخبير فاروق القاسم إلى ردود الفعل السلبية لدى الشركات العالمية على مواد الدستور المتعلقة بالنفط. كما شدد على أهمية إشراك القطاع الخاص العراقي في خدمة الصناعة النفطية. ثم فتح الباب للنقاش أمام المشاركين في الندوة. وفي ما يأتي التوصيات التي تم اتخذت في نهاية الندوة: 1 - تشريع قانون للصناعة الهيدروكربونية يمنح الحكومة الفيديرالية مسؤولية تطوير الحقول المكتشفة والمنتجة بحسب سياسات وصيغ محددة المعالم، ويعطي الصلاحيات التجارية والمالية وعمليات الاستكشاف والتطوير لشركة النفط الوطنية القابضة، يشارك في مجلس إدارتها ممثلو الأقاليم والمحافظات. وتكمن صلاحية وزارة النفط في رسم السياسات، والتفاوض مع الدول الأجنبية والاتفاق مع الشركات الدولية والإشراف العام. 2 - أهمية إعادة النظر بمواد الدستور النفطية لأنها في شكلها الحالي ستعيق تطور الصناعة النفطية ويمكن أن تؤدي إلى تفككها، كما ستؤدي إلى إضعاف الموقف التفاوضي مع الشركات الدولية وإلى انتشار الفساد في شكل أوسع لغياب الرقابة والمحاسبة المحلية. وهناك تخوفات مشروعة من أن مواد الدستور النفطية ستؤدي إلى خلافات وصراعات ما بين المحافظات والأقاليم حول حدود الحقول والمكامن، ناهيك عن المعاملات التجارية والمواصلات والنقل، الخ. 3 - إن خريطة الطريق للصناعة النفطية العراقية تكمن في تعاون شركة النفط الوطنية القابضة مع الشركات الدولية، وليس في الاعتماد الكلي على هذه الشركات في تطوير الصناعة النفطية المستقبلية. كما على العراق أن يأخذ في الاعتبار عضويته في منظمة الأوبك والتزاماته اتجاهها عند رسم سياسته النفطية. 4 - ان السياسة النفطية المستقبلية تستوجب التنبه الى الظلم الذي لحق سابقاً بالأقاليم والمحافظات، وخصوصاً النفطية منها، في توزيع الثروة النفطية. 5 - تتطلب صناعة النفط العراقية مرحلة طويلة من التأهيل والتدريب والتثقيف نتيجة انحسار الطبقة المتوسطة المهنية، والهجرة الجماعية إلى الخارج، كذلك إلى كسر فجوة المعرفة التي تفاقمت أثناء الحصار. 6 - ضرورة الشفافية في السياسة النفطية من أجل كسب ثقة الشعب والجمعية العمومية في طرح أولويات الصناعة المستقبلية وتنفيذ السياسات بسرعة وطريقة رشيدة. 7 - ضرورة تنويع الاقتصاد العراقي لكي لا يعتمد كلياً على النفط، ومن ثم تطوير الزراعة والخدمات والمؤسسات المالية والبنى التحتية والسياحة، وفتح مجال الاستثمار للرأسمال العربي والأجنبي ? ولكن هذه الخطوات تتطلب السلامة والأمن أولاً، كما تتطلب دراسات شاملة تأخذ في الاعتبار الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية على السكان. ويؤخذ بنظام اقتصاد السوق في المرحلة المقبلة. 8 - تشجيع مساهمة القطاع الخاص الوطني في تقديم الخدمات والمقاولات وتنفيذ المشاريع والتجهيزات للصناعة النفطية. 9 - إعطاء أولوية لتطوير صناعة الغاز الطبيعي لتوفير الوقود اللازم لمحطات الكهرباء من أجل تحسين مستوى المعيشة وفتح المجال أمام تطوير وتوسيع القاعدة الصناعية للبلاد.