تواجه الكويت مرة أخرى استحقاقات الانتخابات. اذ بعد أسبوعين من التوتر بين البرلمان والحكومة حول اصلاح نظام الدوائر الانتخابية، قرر الأمير الشيخ صباح الاحمد حل مجلس الأمة البرلمان، وأعيدت القضية الى الجمهور الكويتي ليحكم هو في العلاج لهذه القضية. وستكون قضية الدوائر الانتخابية المسألة الأولى في برنامج جميع المرشحين، تسعى المعارضة الى جعلها فيصلاً للتفريق بين المرشح"الوطني"والمرشح"الحكومي"، بينما تمثل المشاركة النسائية اللغز الأكبر في هذه الانتخابات. وما ان فتحت ادارة الانتخابات في وزارة الداخلية الكويتية ابوابها عند الثامنة من صباح الخميس حتى كانت خمس نساء يقفن في الطابور لتسجيل اسمائهن مرشحات لانتخابات مجلس الأمة. انتهى انتظار 43 سنة وحان موعد المرأة الكويتية مع حقها السياسي، كيف لا وهي تمثل 57 في المئة من اجمالي الناخبين. رولا دشتي وعائشة الرشيد وخالدة الخضر وطيبة الابراهيم وغنيمة الحيدر كن حاضرات في الدقائق الأولى وقدمت كل منهن وثيقة الجنسية وخمسين ديناراً مبلغ التأمين المالي ووضعن اسماءهن كل في الدائرة الانتخابية التي اختارتها، وستتبعهن في الايام المقبلة أخريات وستقيم كل مرشحة مقراً انتخابياً وندوات للجمهور تعلن برنامجاً سياسياً، ولكن كيف سيتقبل الشارع الكويتي هذا التغيير؟ وهل ستناصر الغالبية النسائية المرشحات أم ستصوّت النساء تبعاً للرجال؟ أسئلة ستجيب عنها صناديق الاقتراع في التاسع والعشرين من الشهر المقبل. القوى السياسية التي كانت توحدت خلف قضية اصلاح الدوائر تحت ما يسمى قائمة ال29 باشرت اتصالات للنظر في امكان التنسيق في ما بينها في الدوائر. وإذ تتحرك هذه القوى لتنسيق مواقفها، فإن الاسلاميين بشقيهم"الأخوان"و"السلف"أوفر حظاً في تحقيق تفاهم حول بعض الدوائر مثل"الفيحاء"و"كيفان". وأبدى ليبراليون استعدادهم لتجاوز الخلافات الطويلة مع نواب اسلاميين، وللتصويت لهؤلاء على أساس وجوب دعم كل من ساند اصلاح النظام الانتخابي أياً يكن انتماؤه. وتسعى القوى السياسية الى استعادة مقاعدها التي خسرتها في انتخابات 2003، اذ خسر تيارا"المنبر الديموقراطي"الذي يمثل الليبراليين و"التحالف الاسلامي الوطني"الذي يمثل الحركيين الشيعة كل مقاعدهما، وخسرت"الحركة الدستورية الاسلامية"التي تمثل تيار الاخوان المسلمين ثلاثة من مقاعدها الخمسة، وستلجأ هذه المجموعات الى اعادة طرح مرشحيها في قوائم مخفضة والتركيز على عدد أقل من الدوائر لتوفير الجهد. ويأمل نواب مخضرمون سابقون مثل عدنان عبدالصمد وعبدالله النيباري، باستعادة مقاعدهم أو تقديم بدلاء لهم، مثلما فعل النائب مبارك الدويلة الذي رشح شقيقه ناصر وهو محام للحلول مكانه. وتردد ان بعض اعضاء الأسرة الحاكمة يفكر في الترشح للانتخابات، ولم ينف الشيخ فهد سالم العلي ما نشرته صحف من انه يخطط للترشح في دائرة"الصليبيخات"التي يتألف ناخبوها من خليط من القبائل ومن مواطنين محدودي الدخل. وتتخوف المعارضة مما تعتبره"المال السياسي"ومن انه سيصب في الدوائر الانتخابية للتأثير في النتائج. وكتب النائب الدكتور وليد الطبطبائي وهو اسلامي مستقل في صحيفة"الوطن"ان"شلالات المال السياسي ستفعل فعلها في الدوائر". لكنه اضاف:"هذا لن يقلقنا كثيراً، فنحن في عام 2006 ووعي الناخب الكويتي تجاوز هذه الوسائل وتجاوز أدوات التأثير والتطويع والضغط". لا معاملات للمعارضين! نائب معارض قال ل"الحياة"ان مسؤولين"تلقوا تعليمات"بعدم قبول أي معاملات من النواب التسعة والعشرين الذين ساندوا طلب استجواب رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح. ومعلوم ان منح ميزة انجاز المعاملات لأي مرشح يعزز قدرته على اجتذاب اصوات الناخبين، وأحياناً يكون ذلك أنجح في كسب الأصوات من دفع الرشوة الانتخابية التي تتوقع المعارضة شيوعها الى حد كبير في الانتخابات المقبلة. وتوقعت صحيفة"القبس"صرف 100 مليون دينار 330 مليون دولار في الحملات الانتخابية، وأن يأتي جزء مهم من هذا المبلغ من جهات دعم سياسي. ويقول المعارضون ان الحكومة شكلت فريقاً من ثلاثة قياديين لدعم القائمة المفضلة لديها من المرشحين، لا سيما 21 نائباً وقفوا معها خلال أزمة تعديل الدوائر الانتخابية، لكن الحكومة نفت دوماً تدخلها في الانتخابات. "نزاهة" وبسبب هذه الشكوك، أسس ناشطون كويتيون لجنة لمراقبة الانتخابات أطلقوا عليها"نزاهة"، وعقدت أول من أمس مؤتمراً صحافياً. وقال رئيسها أنور الرشيد انها كلفت 25 من نشطائها مراقبة الانتخابات في الدوائر الخمس وعشرين، وطالبت الحكومة بالسماح لهيئات دولية متخصصة بإرسال مندوبين الى الكويت لهذا الغرض. وتريد اللجنة مواجهة ظواهر شراء الاصوات والممارسات الأخرى التي تؤثر في نزاهة الانتخابات او ترجح كفة مرشح في مقابل آخر. في غضون ذلك تستعد القبائل لتنظيم انتخابات داخلية بين مرشحيها، تسمى في الكويت"الفرعيات"، ويجرّمها قانون أصدره البرلمان عام 2000. مع ذلك، فإن القبائل تتحايل لتنفيذها وتعلن في الصحف انها ستعقد"اجتماعاً تشاورياً"، ويلتئم الاجتماع على هامش وليمة عرس أو باتباع طرق اخرى ملتوية. وقال ناشط قبلي ل"الحياة"ان احدى القبائل وزعت مئة جهاز كومبيوتر محمول لاب توب على مئة من شبابها، كل منهم سيزور 30 أو 40 ناخباً من القبيلة، ليصوّت كل ناخب عبر موقع على الانترنت لا ترصده السلطات، ويفترض ان تنجز كل القبائل انتخاباتها قبل الاثنين المقبل. وبفضل هذه الانتخابات الفرعية تمكنت قبائل معينة من احتكار مقاعد عدد من الدوائر على مدى ربع قرن، وهناك خمس أو ست دوائر يستبعد فيها نجاح أي مرشح لا ينتمي الى هذه القبيلة أو تلك، ولو كان ناخبو القبيلة لا يشكلون اكثر من ربع مجموع الناخبين. وكانت السلطات، وبعد اتهامات من المعارضة لها بالتغاضي عن"الفرعيات"، حركت دعوى ضد 15 مرشحاً خلال انتخابات 2003، لكن الدعوى انتهت الى لا شيء أو الى غرامات مالية تافهة. ويظل صوت المرأة العنصر الغامض في المعادلة. فالناخبات وهنّ الغالبية يصوّتن للمرة الأولى، ولا يعرف بالضبط الى أي مدى ستستقل الكويتية بصوتها عن الزوج والاخ ، لكن متتبعين يتوقعون تأثر الناخبات في مناطق القبائل بتوجهات العشيرة والعائلة، أما في الدوائر الحضرية فلربما يكون الاسلاميون الرابح الأول من الصوت النسائي، وبين 334 الف ناخب هناك 195 الفاً من النساء. وستواجه المرشحات من النساء خصوصاً، صعوبة بسبب الوقت المحدود جداً أمامهن لتقديم أنفسهن الى الجمهور. وكانت الانتخابات البلدية التكميلية التي اجريت في"الرميثية"في آذار مارس فاجأت الجميع، اذ حصلت المهندسة شذى بوشهري على المرتبة الثانية وخسرت المقعد أمام مرشح فاز بفضل الدعم القبلي. لكن للانتخابات البرلمانية حسابات مختلفة، وليس متوقعاً ان تفوز أي امرأة في انتخابات 2006، رغم ان الصوت النسائي هو من سيصنع برلمان 2006 وهنا مفارقة.