على رغم كل ما قيل ويقال عن"ضآلة"الحضور السينمائي العربي في هذه الدورة لمهرجان"كان"السينمائي، من الواضح أن الصخب العربي كبير هذه المرة الى درجة يفاجأ معها المرء بأخبار سينمائية عربية كثيرة تتصدر صفحات الصحافة اليومية في المهرجان. ومن يقرأ هذه الأخبار سيجد نفسه، من دون شك أمام صورة حيوية مدهشة، لسينما كان يعتقد بأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة. وينطبق هذا على بلدان عربية عدة، كما ينطبق بخاصة على مصر. ولعل الظاهرة الأبرز في هذا المجال أتت من الحضور السعودي المزدوج، عرضاً في سوق الفيلم أي ليس في أي من التظاهرات الأساسية التي يُقبل عليها الهواة والنقاد، بل في تظاهرة تشكل العالم الخاص للموزعين والمنتجين. المفاجأة هي أن بلداً لم يعرف الانتاج السينمائي الروائي الطويل في تاريخ القرن العشرين، يقدم نفسه فجأة من خلال فيلمين، لمخرجين مختلفين، يسعى كل منهما على طريقته للحصول على لقب"أول فيلم سعودي في التاريخ". الفيلم الأول هو"ظلال الصمت"لعبدالله المحيسن. أما الثاني فعنوانه"كيف حالك"لإيزادور مسلّم. طبعاً واضح ان الأخير غير سعودي. هو كندي من أصل عربي، لكنه عرف كيف يحصل على تمويل سعودي - إماراتي، لفيلم اجتماعي خليجي يقدمه الآن باسم السعودية، في محاولة لمنافسة فيلم عبدالله المحيسن، الذي هو - بحسب التقاليد السينمائية التي تنسب الفيلم الى مخرجه ومؤلفه - الفيلم السعودي الأول بالتأكيد. الفيلمان عرضا في يوم واحد واستقطبا اهتمام النقاد والسينمائيين، بادئين - كل منهما على طريقته - جولة المهرجانات والعروض. وبالنسبة الى عبدالله المحيسن قال لپ"الحياة"ان هذا الفيلم الذي يعمل عليه منذ عقد ونيف هو تحقيق حلم لديه بات عمره الآن ربع قرن. ويأمل المحيسن في أن ينطلق قريباً لتحقيق فيلم ثان له، ربما يكون موضوعه مدينة القدس هذه المرة. حضور مزدوج من السعودية في سوق الفيلم، قابله حضور مزدوج من مصر أيضاً. وكذلك بفيلمين هما، بالتأكيد، أبرز ما أنتج في مصر منذ سنوات طويلة."عمارة يعقوبيان"وپ"حليم"شكلا بطاقة دخول شركة"غود نيوز"عالم الانتاج السينمائي وأثارا صخباً كبيراً، من ناحية لأنهما أعادا السينما المصرية الى جدية كانت افتقدتها منذ زمن بعيد، وثانياً لأنهما كشفا ان السينما المصرية ما زالت ممكنة، وأن لوصول الفيلم العربي الى العالم، دروباً وأساليب يجب أن تكتشف، على اعتبار ان دخولك العالمية لا يمكن إلا أن يكون تتويجاً لاهتماماتك المحلية. حتى الآن يمكننا أن نتحدث عن نجاح - إعلامي على الأقل - حققه فيلما"غود نيوز"، ولا سيما"عمارة يعقوبيان"الذي يواصل في"كان"جولته العالمية حاصداً الإعجاب ومسهلاً على السينما المصرية دخول آفاق جديدة، بعدما كادت تقتصر خلال سنوات، من ناحية على أفلام"المهرجين الجدد"، ومن ناحية على الأفلام النخبوية. في هذا السياق بدأت المشاريع المقبلة لشركة عماد الدين أديب تأخذ شكلها بأرقام تبدو مذهلة في الواقع العربي. من بين هذه المشاريع ثمة اثنان بدأ العمل عليهما يتحول من التخطيط الى التنفيذ: فيلم"القاعدة"الذي رصد له مبلغ 7 ملايين دولار، وفيلم"محمد علي"الذي لم تحدد موازنته حتى الآن. الفيلم المصري الآخر الذي حضر في"كان"، وبقوة أكبر طالما انه عرض، هو، في المسابقة الرسمية إنما خارج سياق المنافسة، هو فيلم"البنات دول"لتهاني راشد. هذا الفيلم هو باكورة انتاج شركة"ستديو مصر"الجديدة التي يشرف عليها السينمائي كريم جمال الدين. والحقيقة انه اذا كان كثر حيّوا جرأة هذه الشركة التي تعتبر الآن وريثة أكبر مجمّع سينمائي مصري في تاريخ الفن السابع، إذ بدأت نشاطها بإنتاج فيلم تسجيلي مثير للسجال وخطير الرؤية في الوقت نفسه، فإن الشركة أعلنت في"كان"انها لن تتوقف عن مساندة هذا النوع من المشاريع لمبدعين مختلفين، لكنها في الوقت نفسه ستدخل سينما الموازنات الضخمة بدورها بفيلم"مأساة البيت الكبير"الذي تقول الشركة ان موازنته لن تقل عن 15 مليون دولار، معلنة انه حتى الآن أكبر مبلغ يستثمر في أي فيلم مصري على الإطلاق. والفيلم يدور في الأجواء الفرعونية، وسيعلن قريباً عن بدء العمل عليه، علماً أنه سيكون الأول بين سلسلة مشاريع ضخمة تخطط لتنفيذها هذه الشركة، التي أثار حماستها الاستقبال العالمي، النقدي، الكبير الذي كان من نصيب"البنات دول"، وهذه السلسلة ستتكون من ما لا يقل عن 12 فيلماً في العام بحسب كريم جمال الدين. وپ"هي أفلام ستكون مصرية وعربية، تمويلاً وانتاجاً وتقنيات"كما يقول عصام المغربي أحد مسؤولي الشركة والذي إذ يُسأل عن التقنية العالية التي ميزت"البنات دول"صورة وصوتاً، يبدي فخره بأنها تقنية مصرية، إذ صور الفيلم بالديجيتال ونسخ لاحقاً الى 35 ملم منتجاً صورة تضاهي أحدث ما توصل اليه فن السينما. ولمناسبة الحديث عن الحضور العربي في"كان"، لا بأس من إشارة أخيرة مفادها ان ثمة حضوراً عربياً من نوع آخر، يذكر مثلاً بحضور المغرب في العام 1951، بفيلم"عطيل"لأورسون ويلز، معيداً إحياء تقليد لم يختف، على أية حال ابداً: بعض أبرز عروض دورة"كان"هذه المرة، وتحديداً في المسابقة الرسمية، دنا من العالم العربي موضوعاً، أو تصويراً، أو بأي شكل آخر:"سكان أصليون"لرشيد بوشارب تحدث عن مساهمة المغاربة في تحرير فرنسا،"فلاندر"لبرونو دومون، يدور جزء من أحداثه في أرض عربية صور في تونس... ويتكلم عربية غامضة مبهمة عدد من شخصياته. وفي"بابل"لاينيراتو، المكسيكي، تحضر اللغة العربية بين لغات عدة ينطق بها الفيلم، ناهيك بأن جزءاً أساسياً من أحداثه يدور في المغرب. فهل نحتاج بعد هذا كله الى العودة للحديث عن"حضور"عربي آخر تماماً، من خلال فيلم"أوليفر ستون"الجديد - الذي عرض"كان"ثلث ساعة منه - أو من خلال فيلم بيتر غرينغراس عن الطائرة التي أسقطت في بنسلفانيا يوم 11/9/2001 المشؤوم؟.