الأزمة الاقتصادية – المالية العالمية في مهرجان «كان» السينمائي في دورته الحالية؟ أجل بالتأكيد، ولكن عليك ألا تفتش عنها لدى عرب «كان». فالعرب هنا، وهم كثر، كالعادة بالطبع، مشغولون بقضايا أخرى: بمستقبل السينما في بلادهم. بالقضايا السياسية الكبيرة والشائكة. بالحرب في غزة. بالتنقيب في كل فيلم إسرائيلي يعرض لمعرفة «درجة صهيونيته»، وليس، طبعاً، ما إذا كان صهيونياً أم لا. بالتساؤل حول «المؤامرة» اليهودية العالمية التي كانت وراء احتفال وودستوك الموسيقي الضخم العام 1969 في أميركا (طالما أن فيلم آنغ لي عن ذلك الاحتفال والذي عرض أول من أمس مشاركاً في المسابقة، يقول إن الأراضي التي أقيم عليها الاحتفال كانت ملكاً لعائلة يهودية!). عرب «كان» مشغولون بمثل هذه القضايا. فإذا كان لديهم ذكر للأزمة الاقتصادية العالمية يكون من خلال إعلان شركة «غود نيوز» المصرية عن أن فيلمها المقبل «أول فيلم في العالم يتحدث عن هذه الأزمة». والمعني بهذا هو فيلم «بوبوس» من تمثيل عادل إمام... ما يعني طبعاً أن الفيلم سيكون كوميدياً. الكوميديا إذاً، على الطريقة المصرية، للحديث عن أخطر أزمة يمر بها العالم. لننتظر ونر... في الانتظار تدهش الناس هنا أخبار أخرى من «غود نيوز»، أهمها عن مسلسل في ثلاثين حلقة، للتلفزة طبعاً، يروي تاريخ جماعة «الإخوان المسلمين» منذ تأسيسها، به تدخل هذه الشركة حيز الإنتاج للشاشة الصغيرة، من دون أن يفوتها، أن تواصل محاولاتها على الشاشة الكبيرة، ولكن في المجال التاريخي السياسي عبر فيلم «محمد علي باشا» الذي يبدو أن تصويره سيبدأ قريباً. إذاً، على رغم «ليلة البيبي دول»، في العام الفائت، وعلى رغم «إبراهيم الأبيض» في هذا العام تصر الشركة المصرية الطموحة على مواصلة مشوارها السينمائي، محاولة مضاهاة نجاح فيلمها الأول «عمارة يعقوبيان»... والحقيقة أن من يقرأ أخبار «غود نيوز» في الصحافة المتخصصة في «كان» يخيل إليه أن السينما لدينا في ألف خير. كذلك حال، من يتأرجح بين أخبار المهرجانين الخليجيين الأغنى والأكثر صخباً: مهرجان دبي، ومهرجان أبو ظبي. هذان المهرجانان اللذان يصران على الحياة في بلدين تتأجل ولادة السينما فيهما أكثر وأكثر، ينشران جديدهما. وجلّه له علاقة بالأموال والجوائز والمكافآت والنجوم. ولفلسطين، كذلك، حصة كبيرة في الحديث. وإن كان سيتكثف مع عروض الأفلام المتعلقة مباشرة بفلسطين، لا سيما فيلم «الزمن الذي يبقى» لإيليا سليمان في المسابقة الرسمية (ولكن في آخر أيام المهرجان)، وكذلك فيلم شيرين دبس «أميركا» (في «أسبوعي المخرجين»). وفي الانتظار، أخذ الحضور مذاقاً أول، مزدوجاً: فلسطينياً من ناحية، وإسرائيلياً من ناحية ثانية. من ناحية فلسطين، عرضت الفلسطينيةالشابة المقيمة في لندن ديما حمدان فيلماً قصيراً عن غزة – لندن، يقف مباشرة في قلب العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع: محاولة ناجحة وطيبة، إضافة الى كونها واعدة سينمائياً، مع التباس في الموضوع. فديما حمدان صورت في فيلمها هذا حكاية شاب فلسطيني يدرس في لندن التي كان وصل إليها لتوه، فيما اندلع العدوان على غزة... وبالتالي عاش العدوان من خلال الإعلام، جيئة وذهاباً أي انه رصد في الإعلام ما يجري، حزيناً عاجزاً، كما استدعاه الإعلام الإنكليزي ليتصل عبره بأمه وعمه في غزة، ويرد على أسئلة متدخلين هاتفياً. في النهاية، أمام عجزه عن فعل أي شيء لأمه ولغزة، لا يجد أمامه إلا أن يُصلي دامع العينين! عن فلسطين أيضاً، ولكن من منظور إسرائيلي، حقق فيلم «يافا» لكارين يدايا إعجاباً عاماً، خصوصاً أن المخرجة التي تحضر الى «كان» للمرة الثانية قدمت في الفيلم مرافعة من أجل السلام، ومناصرة حقوق الفلسطينيين، من علاماتها عنوان الفيلم الثانوي «عروس البحر»، شارحة أن هذا هو لقب يافا الأصلي لدى العرب. وهو لقب لا يعرف الإسرائيليون شيئاً عنه، كما أكدت في عبارات ذات دلالة. في شكله الظاهر «يافا» فيلم غرامي... لكن الغرام فيه كناية، والدعوة واضحة، تلقفها المتفرجون الأجانب بترحاب، واجدين فيهاخشبة خلاص ما، للشرق الأوسط، في الوقت الذي انصرف كثر من الصحافيين والحضور والعرب، الى البحث عن «مشاريع صهيونية» وراء كل كلمة ونظرة وحركة في فيلم يدايا.