تجول في ذاكرتي ذكريات أليمة على قلبي؟ انها ذكريات سقوط مدننا التاريخية العتيدة على أيدي العصابات الصهيونية وترحيل وتهجير أجدادنا منها، هذه الذكريات الأليمة تمر علينا ونحن نعايش ظروفاً حياتية عصيبة، فالعالم يُحاصرنا من كل مكان ونحن نعيش أدق مراحل حياتنا التاريخية ونواجه معضلات حقيقية أنستنا الكثير من همومنا وآلامنا. في الثالث عشر من أيار مايو 1948 سقطت عروس بحر فلسطين، يافا العريقة، هذه المدينة التاريخية نافذة فلسطين على بحرها المتوسط، التي يُشكل تاريخها العريق تصويراً حيّاً لتاريخ فلسطين عبر العصور، فتاريخ يافا يمتد الى 4000 سنة ق.م حيث بناها أجدادنا الكنعانيون، وغزاها الفراعنة والآشوريون والبابليون والفرس واليونان والرومان، ثم فتحها القائد الإسلامي عمرو بن العاص، وخضعت لكل الممالك الإسلامية، الى أن احتلها الأتراك، ثم الانتداب البريطاني، وبعده نكبة 1948 واحتلال الصهاينة لها وتشريد غالبية سكانها. سقطت المدن الفلسطينية، في خطأ تاريخي كبير لا يُغتفر، ولكن لم يَسقط الإنسان الفلسطيني، ولا الراية الفلسطينية ولم يَسقط الفكر الفلسطيني القويم. إن ذكرى سقوط يافا عروس البحر، تدعونا جميعاً الى تحمل المسؤوليات الكبرى لهذه الأحداث التاريخية التي لا زلنا نعاني من مأساتها معاناة كبيرة، حيث سقطت حيفا واللد والرملة وباقي المدن والقرى الفلسطينية الصغيرة، وهُجر الأجداد من وطنهم عنوة وقسوة، فيما تكالبت علينا الأمم كلها في قراراتها المجحفة بحقنا وبحق اللاجئين في العودة الى أراضيهم التي هجروا منها قبل 58 عاماً، واحيكت المؤامرات ضد اللاجئين وحق عودتهم المقدس بهدف حذفه من ذاكرة الأحداث الفلسطينية وجعله طي النسيان. لعبت يافا دوراً مميزاً وريادياً في قيادة الحركة الوطنية ومقاومة المحتل البريطاني من جهة والصهاينة من جهة أخرى امتد الى يومنا هذا، فمن يافا انطلقت ثورة 1920 ومنها بدأ الاضراب التاريخي الذي عم البلاد كلها عام 1936، فيما شهدت يافا العريقة قرار التقسيم واندلعت المعارك الدامية بين المجاهدين والصهاينة. ان ذكرى السقوط يجب أن تحيي في قلوبنا العزائم الكبيرة في المضي قدماً نحو التحرير وعدم التقهقر والتراجع والتخاذل. فهذه فلسطين ترفع الراية في ميدان الحرب المقدسة وتقود التاريخ من جديد، أما العرب فهم نائمون عن فلسطين وما يحدث فيها، انهم في غفلة كبيرة. فإلى متى هذا النوم؟ غسان مصطفى الشامي - بريد الكتروني