انتهت جلسة مجلس الامة البرلمان الكويتي أمس بصورة درامية عندما حال الجمهور الغاضب دون التصويت على طلب نيابي أيدته الحكومة باحالة مشروع تعديل الدوائر الانتخابية على المحكمة الدستورية. وهدد نواب المعارضة باستجواب رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، محتجين على ما اعتبروه خداعا حكوميا في شأن اصلاح النظام الانتخابي. وقال بعضهم ان الحكومة"سقطت ويجب ان لا تستمر يوماً واحدا". وفتحت جلسة امس التي لم تكتمل، المجال واسعاً لأزمة سياسية بسبب الفصام الذي صار كاملا بين الحكومة الحالية التي لم تكمل شهرها الرابع وبين المجلس الذي توحدت المعارضة فيه خلف قضية اصلاح النظام الانتخابي، ما دفع مراقبين الى توقع حل المجلس. وامام صراخ الجهمور وهتافاته انسحبت الحكومة والنواب المؤيدون لها من القاعة. واعلن رئيس المجلس جاسم الخرافي تأجيل الجلسة الى اليوم لغرض استكمال التصويت في جلسة لا يحضرها جمهور. لكن نواب المعارضة رفضوا ذلك وقالوا انهم سيقفون بأنفسهم عند بوابات المجلس لادخال المواطنين الى القاعة. وكان 29 نائبا ضمن فئات المعارضة من اصل خمسين نائباً منتخبا اعلنوا منذ أسابيع تأييدهم مقترحاً لتقليص عدد الدوائر الانتخابية من 25 دائرة الى خمس دوائر، وهو اقتراح مالت اليه الحكومة لبعض الوقت وأيده مستشاروها وأيدته لجنة مهمة من وزراء سابقين، الا ان الحكومة اعلنت الثلثاء الماضي فجأة تبنيها مشروعاً طرح قبل سنتين يقسم الكويت الى 10 دوائر، وهو ما تحفظت عنه المعارضة التي نظمت حملة شعبية شارك فيها آلاف من الشبان والفتيات تحت شعار"نبيها نريدها خمسة"، ومع ان بعض المعارضين، لا سيما الاسلاميين، قرروا في اللحظة الاخيرة التنازل وتأييد مشروع الحكومة الذي قدم الى البرلمان السبت الماضي الا أن تصرف الحكومة أمس اثار حفيظتهم. اذ مع بداية الجلسة تقدم 14 نائباً من معارضي تعديل الدوائر بطلب لاحالة مشروع الحكومة على المحكمة الدستورية للبت في شبهات في المشروع، أولها عدم التساوي في عدد الناخبين في كل دائرة، وثانيها ان الناخب في بعض الدوائر يصوت لمرشحين وفي دوائر أخرى يصوت لثلاثة. ومع ان هذا الاعتراض كان متوقعاً، الا أن تصويت الحكومة لمصلحة احالة المشروع، مشروعها هي، على المحكمة الدستورية، فجر غضب نواب المعارضة الذين هاجموها على مدى ست ساعات من المناقشات الحامية معتبرين انها غير جادة في اصلاح نظام الانتخابات وانها تدبر لافشال الموضوع برمته. وقال النائب محمد الصقر:"انها مهزلة فعلاً، يقدمون مشروعاً ثم يريدون من المحكمة الدستورية ان ترفضه". واعتبر النائب فيصل المسلم ان"الحكومة عابثة ولا تكترث للشعب الكويتي ومطالبه. هناك اقلية في داخل مجلس الوزراء تسيطر على قرارات الحكومة والدولة ولا تريد الاصلاح". وقال النائب عبد الوهاب الهارون ان"غالبية من النواب وغالبية من الوزراء وغالبية من الشعب الكويتي تريد تعديل الدوائر، فتأتي الحكومة وتحيل الموضوع على المحكمة الدستورية وتشكك هي بشرعية قانونها". وبعدما تحدث عشرات النواب من مؤيدين ومعارضين، وعند الثالثة والنصف عصراً، أمر الرئيس الخرافي بالبدء في التصويت على طلب احالة المشروع على المحكمة. وبمجرد ان صوت وزير الصحة الشيخ أحمد العبدالله، وهو أول المصوتين بحسب لائحة الأسماء، موافقاً على الاحالة بادر 29 نائبا الى الانسحاب من الجلسة احتجاجا. وفي هذه اللحظة هاج الجمهور بالهتاف والشعارات وحال دون استكمال قراءة الاسماء والتصويت. واستمر الصخب نحو عشر دقائق في القاعة التي لم يبق فيها غير اعضاء الحكومة و 21 نائبا مؤيدين لها. وهتف افراد من الجمهور"تسقط الحكومة"و"تحيا الكويت"و"خمسة، خمسة، خمسة"، ورددوا النشيد الوطني. ثم دخل فجأة النواب المقاطعون ووقفوا على منصة القاعة ورفعوا أيديهم محيين الجمهور الذي زاد صراخه وهتافه، ثم انسحب رئيس الوزراء من القاعة وتبعه الوزراء ثم النواب المحسووين على الحكومة، وتحولت الجلسة الى مهرجان خطابي حماسي. وخارج القاعة وفي ردهات البرلمان وقف المئات وقد ارتدى الكثيرون منهم ملابس برتقالية أسوة بالمعارضة الأوكرانية ! وكانوا يتلقون نواب المعارضة واحداً تلو الآخر ويحملونه على الاكتاف ويهتفون باسمه ويرددون هتافات ضد الحكومة و"نوابها".