قرأنا قبل فترة خبراً مفاده ان بعض المحطات التلفزيونية في اليابان باشر في تطبيق مشروع يهدف الى تحسين اللغة لدى المواطنين اليابانيين، بعدما شهدت هذه اللغة حالاً من التراجع على اكثر من مستوى. والمشروع يتوجه الى الطلاب والأجيال الشابة والى المواطنين على اختلاف اعمارهم. هذا خبر يعنينا كثيراً نحن اهل اللغة العربية ويعني كثيراً ايضاً إعلامنا المرئي والمسموع الذي يعاني آفة كبيرة هي آفة الاخطاء اللغوية، صرفاً ونحواً ولفظاً. ليت إحدى الفضائيات العربية تنطلق بمشروع مماثل يهدف الى تعليم الجمهور العربي قواعد اللغة العربية التي بات يجهلها. والمقصود بالجمهور هنا، ليس فقط هواة البرامج التلفزيونية المتنوعة بل المواطنين الذي يختلفون بعضهم عن بعض في الوظائف والمرتبات والاعمال. فاللغة العربية تواجه ازمة حقيقية وربما خطرة بعدما تدنى الاهتمام بقواعدها ومنطقها وجماليتها، لا سيما بعيد غزو اللغة الانكليزية لها من خلال وسائل الاعلام الاميركية والانترنت وسواها. قد يحتاج الانسان العربي اليوم الى لغة ثانية وربما ثالثة، يتلقى عبرها المعلومات ويقرأ بها آداب العالم ويطلع على ما يجد في حقول الفكر والمعرفة والعلم والاعلام... لكن هذه الحاجة الى لغة ثانية لا تعني إهمال اللغة الأم وهجرها واعتبارها لغة الماضي وانها لا تستوعب المصطلحات العلمية الحديثة... هذه نظرة خاطئة الى اللغة العربية، بل مجحفة في حقها. ومن الخطأ كذلك التذرع بصعوبة القواعد العربية وعدم تطورها او جمودها. وقد فات اصحاب مثل هذه الآراء ان اللغة العربية المعتمدة الآن والشائعة هي لغة حديثة ومتطورة. والدليل على ذلك اللغة التي تستخدمها وسائل الاعلام، صحفاً ومجلات ونشرات اخبار تلفزيونية وبرامج... لكن اللغة العربية المعاصرة هي بدورها تعاني الكثير من الاخطاء التي تعممها وسائل الاعلام نفسها وفي طريقة علنية. وعوض ان تساهم وسائل الاعلام في تطويرها وتصحيح اخطائها تمعن في تشويهها وترويج الاخطاء بين الجمهور. ويكفي ان يتابع المهتم النشرات الاخبارية والتعليقات والأداء بالفحصى حتى يدرك حجم المأزق الذي تشهده اللغة العربية اعلامياً. هذه الظاهرة هي أشبه بالفضيحة، فمن العيب فعلاً ان تستخدم اللغة على الشاشات وفي الصحف والمجلات استخداماً خاطئاً يسيء الى اللغة نفسها مقدار ما يسيء الى الجمهور العادي والى الجيل الشاب والى الطلاب. والطريف ان الصبايا الحسان اللواتي يحتللن الشاشات الفضائية والارضية هن الاكثر عرضة للوقوع في الاخطاء اللغوية واللفظية. ولا احد يدري لماذا يتحدثن بالفصحى ما دمن يجهلن قواعدها وأصولها. وفي امكانهن حقاً التحدث بالعامية عوض الاساءة الى اللغة العربية. والواجب الواجب هو ان تُخضع المؤسسات الاعلامية المذيعين والمذيعات الى دورات في اللغة العربية وقواعدها، وعليها من ثم ان تحاسب هؤلاء على اخطائهم، وإلا فإن الامر سيزداد فداحة... والخاسر هو الجمهور.