من يشاهد القنوات الإخبارية يلاحظ أنه لم يتبق إلا أن تقوم وسائلُ الإعلام بتلحين نشرات الأخبار، بحيث يكون لكل خبر من الأخبار لحنٌ مميز يميزه عن غيره من الأخبار. إن هذه الفكرة ليست خيالية، ولكنها واقعية، فبعد أن حوّلت كثيرٌ من وسائل الإعلام الأخبارَ، من رسالة إعلامية سامية، ترمي إلى نشر الثقافة والوعي، وتهدف إلى ربط البشر نفسيا وعاطفيا وفكريا، إلى برامج للتسلية والترفيه، وإلى فقرات هدفها النهائي هو تسويق وجوه الحسناوات؛ فإن موعد تلحين نشرات الأخبار قد أزف، ويجب أن نجهز له الملحنين والموسيقيين والمخرجين والمنتجين! فمن يتابع مذيعي ومذيعات نشرات الأخبار في الفضائيات، يلاحظ بأن أكثر الفضائيات تعمد إلى التنافس في استقطاب الفتيات الجميلات، بغض النظر عن قدراتهن الفكرية واللغوية. وأصبح مألوفا أن تُضفي كثير من القنوات الفضائية على جو الأخبار سمة برامج الترفيه، فيقوم مخرجو نشرات الأخبار هذه الأيام بمهمة مصممي الأزياء، فيقومون بعرض الأزياء على أجساد الجميلات، بعد أن تحول استوديو الأخبار في كثيرٍ من القنوات الفضائية إلى مسرح، تمارس فيه المذيعة عرض أزيائها باستخدام الأخبار. وليس مهما أن تكون الأخبار أخبار دمار أو زلازل أو صراعات، بل الغاية النهائية من الأخبار هو الإمتاع والأنس لجماهير المشاهدين. وأنا بالطبع لا أقصد بأن تظل الأخبار حكرا على وجوه الرجال الأشداء الأقوياء عابسي الوجوه من مطاردي حركات التشكيل العربية، الفتحة والضمة والكسرة، كما كانت في السابق، ولكنني أعني مؤامرة تحويل نشرات الأخبار، من مادة لتكثيف الجهود وتثقيف البشر، وإعلام الناس لغرض تحشيدهم في مواجهة المخاطر، إلى مادة «أوبريتية»، تنقصها الموسيقى الراقصة! ومن مخاطر تحول الأخبار إلى «أوبريتات» تُغنى على أفواه الجميلات، أن غايتها تتغير من التثقيف إلى الإمتاع، وحين تتحول الأخبار إلى عرضٍ نسائي للأزياء ووجوه الجميلات، فإنها تتحول إلى «تسالي». فتتحول أكوام أجساد ضحايا أحد الزلازل والدمار الشامل بعد حربٍ، أو صور هياكل أطفال المجاعات إلى وسيلة ترفيه، ويعتادها الصغار والكبار، وهذه قد تثير بعض الآهات والألم، ولكنها لا تتحول إلى جهدٍ عملي. ويبدو أن تحول الأخبار إلى أغانٍ، أو مقاطع ملحنة أمرٌ مقصود، يهدف أيضا إلى إقصاء السامعين نفسيا عما يدور من أحداث، وجعلهم لا يشعرون ببشاعة ما يدور في العالم من أحداث مأساوية، وبتكرار عرض الأخبار المأساوية في مقاطع غنائية على أفواه الحسناوات، فإنها تصبح أمرا مستحبا وسائغا ومقبولا، ويجعل الأخبار تتحول من مادة تشغل العقل إلى عاطفة. وهناك أشكالٌ عديدة من العروض الإخبارية الموسيقية الجديدة، فهناك فضائية تقوم بعرض جميلة، يجاورها مطربٌ شاب من مطربي الأخبار، وفي المقابل تُصرُّ قناة فضائية أخرى على أن ترينا الحزام المزركش الذي تضعه مطربة الأخبار. وفي هذا الإطار فإن سياسة كثير من القنوات الفضائية لا تهدف فقط للإطاحة بالنظام الإخباري التقليدي الصارم المتجهم، بل تهدف إلى أمر آخر يسيء إلى النساء، وهو تسليعهن، وتوظيفهن من أجل غاية واحدة، هي جلب الإعلانات للقناة الفضائية، بتكثير عدد المشاهدين والمشاهدات!