حتى وقت قريب، كان لوسائل الاعلام دور كبير في نشر اللغة العربية الفصحى، وانتشارها بين كافة شرائح المجتمع ذي الصلة المباشرة معها، وليس فقط فئة شريحة المثقفين.. يعود السبب في ذلك الى المدرسة اللبنانية التي عنيت باللغة العربية عند اعدادها مواد النص الثقافي المقروء، والمسموع، وكذلك المشاهد.. سواء ما كان من اعداد المختصين في انتاج واعداد هذه النصوص، أو المواد المترجمة للكتب والافلام والمواد الثقافة والوثائقية، والصحافة. ثم جاءت المدرسة المصرية بعد ذلك الا انها لم تكن على قدر المساواة للمواد الاعلامية اللبنانية ذات التاريخ والجودة.. باستثناء المؤلف الكتابي نظراً لوجود طبقة من كبار المؤلفين المثقفين المصريين مثل طه حسين والمنفلوطي ومحمد عبده، والزيات وغيرهم.. حتى ان المذيعين والصحفيين، والعاملين في مجال الثقافة والادب والاعلام جميعهم لديهم المستوى الثقافي اللغوي ما يمنحهم درجة الرضا من المتلقي. هذه الحالة لم تدم طويلاً حين بدأت الصحافة المصرية والفن المصري يسمح لمفردات لغوية شعبية تأخذ مواقعها بين مفردات اللغة العربية الفصحى.. يدعمه امتداد كرّس هذا الجانب تمثل بالفن الغنائي.. ثم ما لبثت هذه النزعة في الانتشار في بقية العواصم العربية بحثاً عن علاقة قربى مع المتلقي. كما ظهرت مصطلحات سياسية لم تكن معروفة مثل مصطلحات اللاحرب، واللاسلم، وغيرها مما حملته الصفحات، وبثته الشاشات، وتناقلته الاذاعات ووكالات الانباء. كل هذه العوامل ساهمت في وجود لغة خاصة بالاعلام تجمع بين الفصحى، والعامية.. مألوفة ومقبولة للملتقي بالدرجة الاولى.. الا ان المرحلة الثالثة من علاقة الاعلام باللغة كانت أسوأ حالاً، واخطر على اللغة العربية، وقواعدها البينونية، عندما اشتعلت حرب الفضائيات وتناثرت جهود الوسائل بحثاً عن المادة التجارية، لا المادة الثقافية، ومضمون اللغة النقي، فالغالبية من المذيعين يجهلون قواعد اللغة لانهم من غير الاختصاصيين فيها (يمكن سرد تلقائي لتجربة مثل موقف معين..)، ولا ينتمون الى شريحة او مستويات المثقفين فالجمال بالنسبة للمرأة وكذا زميلها المذيع هي الميزة المفضلة لاصحاب القرار في ادارة وملاك هذه الوسائل. واصبح من غير المنطق او المقبول ان لا تجد مذيعاً أو مذيعة أو صحفياً يعد مادته دون رقيب او مصحح لغوي.. وهكذا خرجت لنا وسيلة اكثر خطورة وتدميراً للغة العربية وهي ما تسمى لغة واسلوب الاعلان التجاري المكتوب، وامثلة ذلك لا حصر لها، فمن غير المقبول ان تقرأ كلمة.. يتكرر فيها الحرف الواحد لاكثر من عشر مرات ك "قووووول " أو سرررررريع.. أو ما نشهد به من امثلة حية تخطف ابصار العابر للشوارع والميادين، وشاشات التلفزة. هذا الانفلات اللغوي غير المبرر.. من الرقيب عليه، ومن يرضى به، وكيف نحمي ثروتنا اللغوية من التجني الكبير عليها.؟! ان غياب الرقابة على كل هذا الانهيار اللغوي، وهذا التحدي لمشاعرنا العربية، هو بالدرجة الاولى من مسؤولية وزارات الثقافة والاعلام، والمؤسسات الاعلامية ذاتها، وحتى الآن لم نجد من يقف امام وضد التمزيق، والاستهتار بقيمنا اللغوية.. لغة القرآن ، لغة محفوظة حتى نهاية العالم البشري على الارض.. انها لغة أهل الجنة. ان دور المثقفين في غياب الدور الرقابي الحكومي المتراخي أمر في غاية الاهمية، فالمجمع اللغوي العربي، والمؤسسات التعليمية، والاعلامية الرسمية من أولى واجباتها حماية اللغة العربية الفصحى من كل هذا الاختراق تحت مسميات المسابقات التلفزيونية المادية ذات الشعار باسم الشعر الشعبي، او غيرها من ادوات ووسائل التدمير اللغوي. واذا لم يكن لنا سياج لغوي قوي يحمي لغتنا التي حطمناها حتى في تعاملنا مع العمالة المنزلية، والاجنبية عندما نتحدث لغتنا العربية بنفس الاداء والتركيبة اللغوية للعمالة، حتى بتنا نعلمهم اياها بغير اسلوب نطقها الحقيقي، ولو امعنا الدراسة لهذا الامر فاننا سنجد قريباً جداً جيلاً من ابناء الامة العربية لا يحسن كتابتها، ولا النطق الصحيح لعباراتها. فكيف يمكن لنا مواءمة ذلك حين قراءتنا للقرآن.. ومعرفة مدلولات ومعنى الكلمات.؟! أسئلة أنتظر منكم الإجابة عليها بحسب شعور كل واحد منكم وما يحمله تجاه لغته الأم لغة قرآنه، وتراثه.. لغة أمة محمد.. وأهل الجنة حين تكون هي اللغة الأبدية.؟!