تعتبر حرية انتقاد الحكومة أحد الأمور القليلة التي تشهد ازدهاراً في العراق"الحديث". لكنّ رسامي الكاريكاتور الذين يختبرون يومياً حدود حرية التعبير، يواجهون خطراً مختلفاً... متشددين"أزعجتهم"رسومات. كان التعبير علناً في زمن نظام صدام حسين، يؤدي بصاحبه الى التعذيب والسجن وحتى الاعدام، لكن في هذه الأيام لا يأتي الخطر من الحكومة انما من القراء أنفسهم. يقول رسام الكاريكاتور ضياء الحجار، الذي يعمل مع صحيفة"الصباح"الحكومية إن"هناك نوعين من الناس هذه الأيام... الذين يقبلون رسوماتك وانتقاداتك، وآخرين يعتبرونها إهانات... ويهددون بقتلك". وأدت التهديدات، التي تأتي عبر الهاتف أو رسائل الجوال أو البريد الالكتروني، الى فرار كثير من رسامي الكاريكاتور من البلاد، فيما يفكر آخرون، مثل الحجار، في الرحيل. لكن بعض الرسامين فضل اختيار رسوم تحوي انتقادات تتعلق بمشكلات عامة مثل الفساد وانقطاع الكهرباء وتنظيف الطرقات، من دون أن تسمي أشخاصاً أو جماعات محددة. وأظهر رسم كاريكاتوري، نُشر في صحيفة"الصباح"، صبياً صغيراً وفتاة يقفان فوق كومة من القمامة ويغنيان النشيد الوطني"بلادي بلادي". كما نشرت الصحيفة ذاتها رسماً تظهر فيه دجاجة وهي تقرأ الصحيفة قائلة"غريب جداً كيف يخاف الناس من انفلونزا الطيور وليس من انفلونزا الفساد". ويؤكد الرسام عبد الخالق الحبار خشيته فقط"من الجماعات المسلحة لأنها لا تتحمل أي انتقاد"، لافتاً الى أنها تقبل فقط ما يناسبها"فالرسالة التي نتلقاها دائماً هي"كن لطيفاً وإلا...". ويقول الحجار 54 عاماً:"بعد سقوط النظام، كنا مليئين بالأمل، لكننا اليوم مصدومون بسبب المضايقات التي نتعرض لها". وتجد العبوات والاعتداءات على المساجد مكاناً لها في رسومات الكاريكاتور. ونشرت أسبوعية"دار السلام"التابعة لحزب اسلامي سني رئيسي في البلاد، رسماً لرجل ينوي الذهاب الى مسجد فيقول لزوجته"في حال حصول شيء... انتبهي على الأولاد". وبعد ثلاث سنوات على سقوط نظام صدام، يتساءل كثير من العراقيين، وبينهم الرسامون، ما اذا الوضع بات أسوأ، وهو ما ينعكس غالباً في الرسومات المنشورة في الصحف العراقية. في صحيفة"الصباح الجديد"، نشر رسم يصور امرأة تحمل طفلاً يدعى"الديموقراطية"، وتسأل الطبيب قائلة"عمرها ثلاث سنوات لكنها لا تنمو. إنها تصغر، فهل هناك علاج لها ؟". كما تظهر الرسومات ملل العراقيين من سياسييهم، فيظهر رسم نشرته"الصباح الجديد"عراقيين يشاهدون مسلسلاً تلفزيونياً، ويقول أحدهم إن"كل حلقة مثل التالية. بعد 15 دقيقة، يقولون إنها مؤجلة"، في اشارة الى مفاوضات تشكيل الحكومة بين الكتل السنية والشيعية والكردية. كان الحبار يرسل قبل الغزو الاميركي عام 2003 رسوماته سراً الى صحيفة مغربية، لكنها تناولت الوضع العربي في شكل عام وليس نظام صدام حسين. لكنه اليوم ينتقد السياسيين جميعاً، فيتسلم رسائل تهديد على هاتفه الجوال يعتقد بأنها تأتي من المسلحين والمجرمين وحتى رجال الدين. وتساعد الرسائل الايجابية من القراء والشعور بأنه يوفر"خدمة أساسية في زمن حرج"، الحبار على الاستمرار في عمله. ويقول:"نحاول أن نقول للمواطنين المسحوقين والعاديين ان هناك أحداً ما زال معهم. وهذا الشخص يشعر بمأساتهم ويقول ما لا يستطيعون قوله".