تجاوز رسام الكاريكاتير المصري، جمعة فرحات، محليته إلى العالمية، منذ مدة طويلة. إذ كان الرسام العربي الأول الذي يتعاقد مع وكيل أعمال أميركي، هو جيري روبنسون، ما أتاح له نشر رسومه في أنحاء العالم، كما كان أول رسام تنشر أعماله خارج مصر، لا سيما في صحيفة «هيرالد تريبيون» الأميركية، وأخيراً في «يوميوري» اليابانية التي توزع 12 مليون نسخة. كما يستعد للعودة، الشهر المقبل، إلى تقديم برنامجه التلفزيوني «جمعة كل جمعة» على شاشة «النيل الثقافية»، والذي استمر عرضه 12 سنة وتوقف في آب (أغسطس) الماضي. بدأ جمعة نشر أعماله في مصر عام 1964، في مجلة «روز اليوسف»، ثم «صباح الخير»، إضافة إلى صحف المعارضة مثل «الأحرار» و «الأهالي» و «الوفد» و «الشعب»، وحالياً ينشر في «الأهرام الاقتصادي» و «الأهرام ويكلي». يقول إنه كان من أشد مهاجمي النظام السابق عبر صحيفة «الشعب» (1984 - 1988)، وجمع أعماله من تلك الفترة في كتاب، وأشهرها كاريكاتير يصور الرئيس المصري السابق حسني مبارك على أنه حكم في مباراة كرة قدم بين الحكومة المصرية وجريدة «الشعب»، ويرفع ل «الشعب» بطاقة حمراء إنذاراً بالطرد، وهو ما حدث حين أوقفت الجريدة نهائياً في عهده. وعن المشاكل التي يواجهها رسامو الكاريكاتير في مصر، يقول جمعة إنها «ليست مع النظام بقدر ما هي مع رؤساء تحرير الصحف، سواء الحكومية أو المعارضة، إذ أن لكل صحيفة سقفاً لا تتجاوزه، وكل رئيس تحرير يسمح بمقدار مختلف من الحرية للرسام، بحسب طموحات الترقي الصحافي أو التقرب من الحكام». وللدلالة على ما يقول، يذكّر بأنه غادر «الشعب»، عندما تحالف «حزب العمل» الذي يصدر الصحيفة مع «الإخوان المسلمين»، فرسم كاريكاتير جسّ نبض، وكان موضوعه تمجيد جمال عبد الناصر في ذكرى ثورة 23 تموز (يوليو)، لكن الرسم لم ينشر بسبب العداء التاريخي بين الإخوان وعبد الناصر. وحول ما يقال عن انعدام حرية فناني الكاريكاتير في ظل النظام السابق، يؤكد جمعة أن هذا التوصيف ليس دقيقاً، «فالنظام من جانبه أتاح الحرية، لكنها كانت حرية النباح، كان يتبع مقولة الكلاب تعوي والقافلة تسير»، مضيفاً أن النظام «كان مؤمناً بمبدأ: دعهم يقولون ما يريدون ودعنا نفعل ما نريد». ويرى «أن هذا خطأ استراتيجي وقع فيه النظام السابق، إذ أدّى إلى شحن الطبقة الوسطى التي قامت بالثورة في ما بعد». حصل جمعة على جائزة نقابة الصحافيين مرتين، في 1986 وفي 1989، وحالياً هو حكم في الجائزة. ويشير إلى أنه توقف عن التقدم إلى الجوائز بعدما تقدم إلى «جائزة دبي» التي منحت إلى أميمة جحا، وكُتب حينها أن جمعة فرحات كان يستحقها، «شعرت بأن الجوائز تمنح على أسس غير مهنية، فتوقفت عن المشاركة فيها كلها». يقول جمعة فرحات إنه لم يتأثر بأحد، لكنه لطالما أحب أعمال صلاح جاهين وبهجت عثمان رسام «صباح الخير»، ويوضح أنه معجب برسوم أستاذيه هذين لمضمونها أكثر من خطوطها، لا سيما تنوع صلاح جاهين وخفة دمه واتساع دائرة وعيه السياسي والثقافي. «بَكره إسرائيل» وحول ما اشتهر عنه من كراهيته لإسرائيل، وتجسيده لذلك في أعماله، يقول جمعة إن «أي عربي حرّ لا بد أن يكره إسرائيل، لكن ما حصل معي أني واجهت أكثر من حالة صدام بسبب رسومي عن إسرائيل، بدأت من عند موقع اسمه «ديرلي كيجل» كان ينشر رسومه، لكنه امتنع عن نشر كاريكاتير ينتقد إسرائيل، فامتنعت من جانبي عن استكمال التعاون مع الموقع». ويضيف أنه اصطدم بعد ذلك برئيس مجلس إدارة «الأهرام»، إبراهيم نافع، على إثر التعاقد مع رسام كاريكاتير إسرائيلي يدعى يوري أعالون الذي، بحسب جمعة، «كان ضابط مخابرات إسرائيلياً، فانتقدت وقتها فكرة السماح لرسام مثل هذا بنشر أعماله في الأهرام، ودارت معركة على صفحات الجرائد انتهت بتراجع الأهرام عن التعامل مع هذا الرسام». ويوضح جمعة أنه كان يهتم بعرض الكاريكاتير الإسرائيلي في برنامجه في قناة «النيل للأخبار» تحت شعار «اعرف عدوك»، لافتاً إلى أنه كان حريصاً على «عرض الكاريكاتير الذي يرسم ضدنا، وعلى معرفة لماذا هو ضدنا، لأننا بذلك نعرف أنفسنا أيضاً». ويلفت إلى أن الكاريكاتير الأميركي «أكثر عنصرية» من الكاريكاتير الإسرائيلي، «فلا مصداقية في رأيي للأميركيين، وأراهم متعصبين». ويُعدّ الفنان لإصدار كتاب قريباً يضم رسوم كاريكاتير تتناول حكام إسرائيل خلال السنوات العشرين الماضية. وهو يرى أن في مصر فنانين موهوبين، لكنهم لا يجدون مكاناً لنشر أعمالهم أو من يقدرهم مادياً، وهذه أكبر مشاكل الكاريكاتير في مصر. أما عن رسامي الكاريكاتير العرب، فيقول إنه يرى رسوماً رائعة ومنفذة بطريقة مدهشة، ويسعده الحضور النسائي العربي المتزايد في هذا المضمار، مؤكداً سعادته برؤية رسامات كاريكاتير في السعودية مثل هناء الحجار، إضافة إلى رسامات في سلطنة عمان واليمن والسودان والعراق إلى جانب مصر بالطبع. لكنه يأسف لأن الفنانين العرب ما زالوا محرومين فرصة انتقاد الأوضاع الداخلية، لذلك يلجأون إلى الرسم عن شؤون السياسة الخارجية والقضية الفلسطينية.