ولد البرنامج الغنائي الأسبوعي المنوّع في زمن المذياع، والبريد الورقي، لكنه عاش لاحقاً فترة من شبابه في المذياع المرئي، زمن التلفزيون الأرضي، عاش شبابه في كنف القناة الواحدة، المقننة، ليتوه بجماله على برامج ثقيلة الظل مثل برنامج"مجلة الشعب"وپ"مع العمال"و"أرضنا الخضراء"ويكون حديقة حقيقية بين أخبار، وبرامج جافة. كان البرنامج فرصة المواطن الوحيدة ليسمع اسمه في التلفزيون الرسمي، ويهدي أصحابه وأحبابه أغنية حلوة او قليلة الحلاوة، عبر الأثير المؤمم. وكان سفيراً لمرحلة الرومانسية العربية، حيث الحبيب البعيد في الثكنة، أو في المغترب يجمع مهر العروس. قضى هذا البرنامج نحبه منذ سنتين، في التلفزيون السوري، كان يقدم أغاني سورية محلية غالباً، برعاية المذيعة المخضرمة ماريا ديب، الشهيرة بكنيتها"أم عمار"، والتي غالباً ما يهديها الهادي الأغنية إلى جانب الأهل والأصدقاء. سمع الكثيرون من محبي هذا البرنامج أسماءهم قبل أغان أخرى غير تلك التي طلبوها، ربما كانت أخطاء مطبعية، لا يهم، فالمهم أن يسمع المواطن اسمه عبر الأثير"المؤمم". لم يمت البرنامج تماماً، إنما بعث في جلد آخر ما دامت عشرات الفضائيات تبث الآن أغاني"الفيديو كليب"على مدار الساعة: قناة لأغاني زمان، قنوات للأغاني الجريئة كما يحب"الحداثيون"أن يقولوا، قنوات للأغاني الخليجية، قناة للأغاني الاميركية العاصفة... وإهداءات الأغاني لا تزال مستمرة، لكن بلا وساطة المذيع وشفاعته، شركات الموبايل تضمن إيصال الإهداء بحذافيره، بفواصله عبر الرسائل القصيرة ذات الكلفة الباهظة. الحرية مكلفة. الأغاني الآن تأتي بلا انتظار، بلا وقوف على الأطلال. الأغنية" تظهر"على الشاشة، فيما تبرز أسماء المتهادين في"الشريط الإخباري"، لكن عبر عبارات غزلية، مباشرة، وبعروض تفوح منها"رائحة التفاح"قبل نضوجه. الأهل والأصدقاء صاروا"أبغي أتعرف على واحدة سورية": احمد من الكويت"بدي بووسة"التوقيع سامر من دبي، وپ"محسن وحشتني"... اهداءات باللهجة المحلية أو بفصحى خالية من أي فصاحة سوى فصاحة الرغبات. البرنامج الأسبوعي صار آنياً، والمطرب سيظهر سواء طلبناه أم لم نفعل، الريموت كونترول يقول:"شبيك لبيك اغنيتك المصورة بين أيديك". والماضي يمضي الى غير رجعة.