منذ أن سقط النظام العراقي قبل أكثر من ثلاث سنوات، ظهرت فضائيات عراقية كثيرة مثل"العراقية"وپ"الشرقية"وپ"الفيحاء" أغلقت أخيراً، وپ"النهرين" وپ"البغدادية" وپ"عشتار" وپ"الحرية" وپ"الزوراء" وسواها. هذه القنوات تتبع تيارات وأحزاباً سياسية مختلفة، لطالما قمعت في السابق، وعانت من هيمنة الصوت الواحد، فراحت تبحث عن صوتها الخاص عبر الإعلام المرئي والمقروء والمسموع، بلا اهتمام، في غالب الأحيان، بكيفية إيصال ذلك الصوت. وأمام هذا الكم الهائل من الأقنية الفضائية العربية أكثر من 250 فضائية لا يتاح للمشاهد أن يتابع برامج كل المحطات لتقويمها، غير أن تخصيص وقت قصير لهذه الفضائيات يكشف عن أدائها الإعلامي، وعن طبيعتها ودورها، ويبين مدى التزام كل قناة بالجانب المهني، أو تجاهلها للمهنية فتتحول - عندئذ - إلى منبر خطابي، دعائي فحسب. ولعل مقارنة بسيطة، وبريئة بين قناتي"الحرية"وپ"الزوراء"تظهر لنا هذا التباين الصارخ، ف"الحرية"التي يمولها الاتحاد الوطني الكردستاني، والتي تبث برامجها باللغة العربية، تسعى لأن تكون فضائية متوازنة وسط صخب الأحداث"الدراماتيكية"التي تعصف بالعراق، ولئن بدت منحازة إلى وجهة النظر الكردية، وهذا حقها، فإأنها تحاول، عبر برامجها الحوارية وتقاريرها الإخبارية، رسم مشهد هادئ بعيد من التعصب العرقي والطائفية والتحريض الذي بات هدفاً رئيساً لغالبية الفضائيات العراقية... وهذا يكسبها سمعة طيبة، فهي لا تنال من أحد، وليس هدفها، بأي حال، سوى الإسهام في إنجاح العملية السياسية القائمة في العراق. أما"الزوراء"التي يملكها مشعان الجبوري، أحد قادة المعارضة العراقية إبان حكم صدام حسين، فإنها لا تتوانى عن التحريض المباشر وعلى مدار الساعة، فهي استبدلت الشريط الإخباري في أسفل الشاشة، بشريط دعائي يعج بشعارات وشتائم بذيئة تظهر على خلفية حمراء، موجهة إلى الحكومة العراقية، والى قوات التحالف، شعارات من قبيل:"لن يبقى لهم غير حزم حقائب الرذيلة فقد حانت عودة العراق إلى أهله النشامى"وسواها من الشعارات الغاضبة الفاقعة التي تنم عن خفة في التعامل مع وسيلة إعلامية مهمة كالتلفزيون، وتنطوي على استخفاف بوعي المشاهد. وحين يظهر المذيع، في هذه القناة، فكأنه قادم لتوه من معركة حامية الوطيس: نبرة صوت عالية، وانفعالية، الكوفية الحمراء تلف رأسه، وقميصه عبارة عن زي عسكري مموه... ليرمي السباب يميناً وشمالاً! هذا المشهد يطرح تساؤلات عدة: إلى أي مدى يمكن فضائية ما أن تستغل المساحة المعطاة لها؟ وإذا كنا ننتقد مراراً تلك الفضائيات التي تبث الأغاني المبتذلة، فلماذا نتجاهل فضائيات أخرى تسهم في تخريب العقول أكثر من تلك؟ وهل لصاحب الفضائية الحق في أن يشتم هذا وذاك متناسياً أن ثمة أسلوباً حضارياً في التعاطي مع مختلف القضايا، اسمه الحوار، ولعل التلفزيون هو خير من يستوعب هذا الأسلوب!