بعد انطلاقها على خشبة المسرح الدائري في عمان، عرضت مسرحية"حلم ليلة عيد"من تأليف واخراج حكيم مرزوقي، على مسرح"دار الأوبرا"في دمشق. وكعادته يراهن الكاتب والمخرج المسرحي التونسي المقيم في دمشق، حكيم مرزوقي على الحصان الخاسر، ليخرج كما في كل مرة، متفوّقاً بجدارة،"ولو على نفسه". تجربة مرزوقي الجديدة تخرج عن إطار المعتاد، لتضعنا مباشرة أمام بقعة مسروقة من جيوبنا، حكيم يتقمص المعتاد ليرسله غريباً شاذاً، حاداً كنصل السكين، من ثقافة الإسكافي، لإسكافية المثقف، من بحثنا الدؤوب عن الهرب إلى هروبنا من البحث،يرتجل حكيم نصاً مشبعاً بالسخرية الجادة والفانتازيا الحقيقية حيث لم يعد الوطن يتسع حتى لهلافيته المبتورين جسدياً ومعنوياً، الناقصين عن التمام تحت وطأة الإتساع المهين لثقافة الهروب الجمعية ، حكيم يخرج بحواره من القاع، من إسفلت اللغة، محرجاً ذاتنا المجاملة، مسترسلاً في طعننا من الخلف بترهاته التي تأسرنا، من الحذاء"الكتاب"إلى التثاقف"أن لا نكون"أو"أن لا نكون"يأتي الحوار فجاً كبدوي ليضعنا أمام مرايانا وجهاً لوجه. من مسرحية"عيشة"و"اسماعيل هاملت"إلى"ذاكرة الرماد"و"لعي"وصولاً إلى"حلم ليلة عيد"تصميم الإضاءة: ماهر هربش، مساعد مخرج: طالب عزيزي، يختار حكيم مرزوقي شخصيات ليلية، محطّمين ومخترقين، حفاري قبور، مصوفين ومثليين، مجبولين بحواراتهم، يسرق ساعة من أبد، أو يكثف أبداً في ساعة، ليطلقها على الجمهور في بثٍ حي ومباشر، حيث لا مونتاج ولا إعادة. "هروب"إلى النعيم في"حلم ليلة عيد"مقاربة في العنوان فقط مع"حلم ليلة صيف"لشكسبير... فالحلم هنا مستحيل والارتجال سيد الخشبة والموقف، هنا الإسكافي ليس حافياً فقط، بل الأنكى أنه بلا قدمين، مسمراً في المكان اللامكان، بينما"البويجي"أبو عرب ليس عربياً بل كردي... ورغم أنه يملك ما يكفي من الأقدام، لكن العين بصيرة واليد"مقطوعة"، قد لا يكون الإسكافي شداد نوار بلبل فقد قدميه من لغمٍ ثار تحته في الأرض التي أخذها من المعلم مسعود، وقد لا يكون كلب الآغا قد عض"أبو عرب"رامز الأسود، في يده لتتفسخ فيما بعد وتبتر، فنحن نستطيع أن نغير في القصة كما نشاء، ولكن النتيجة واحدة ، ف""تفاحة"التي يتقاسم شداد وأبو عرب حبها، هي الحلم المضحك الهارب من ذاكرتنا، تفاحة الحبلى من المعلم مسعود، والهاربة من الضيعة إلى أوروبا، والتي وعدتهما بحلم السفر"الهروب"إلى النعيم، تخرج حاملة ابنها من سجن عدرا لينكسر الحلم شظايا وتبقى الحقيبة معلقة في الهواء، تلوح كما يلوح الحلم، إن خروج تفاحة من السجن ومصادرة ورثة كندريان يعقوبيان لمحل الاسكافي ينقلنا إلى شخصين يبيعان الآس أمام باب المقبرة، في زج متعمد لهؤلاء الأحياء مع الأموات. لقد تعمد حكيم مرزوقي"التضليل"في قصة الشخصيتين، وسار بنا نحو حضيض من نوع آخر، حضيض معتاد وبطيء، حضيض يومي مكبوح في دواخلنا. تقنياً كان العمل بسيطاً ، فالديكور والإضاءة كان لهما الحيز الأقل مما أعطى الخشبة حجماً أوسع رغم حاجتها أكثر للحميمية ، وجاء أداء نوار بلبل ورامز الأسود، مشبعاً في الذهاب نحو ملء فراغ الشخصية المتعمد، إذ أحاطا بماضي شخصيات العمل للولوج إلى عقدها وعصابيتها، وتقمصا الفكرة نفسياً وجسدياً، ليخرجا بأداء واقعي رغم هلامية النص، فقدما أداءً مميزاً وخاصة أن نوار بلبل عمل مسبقاً مع حكيم مرزوقي.