قد يكون محمد هاشم اطرف ناشر في مصر والعالم العربي. هذا المثقف والكاتب"الهامشي"استطاع خلال سنوات قليلة ان يجعل من داره، دار ميريت، إحدى ألمع الدور وأشدها هامشية وحضوراً في آن واحد. تلك المساحة الضيقة التي تشغلها الدار في قلب القاهرة باتت تجذب الكتّاب، مبدعين ونقاداً، على اختلاف اجيالهم، مصريين وعرباً. وهم يقصدونها لا ليتابعوا نشر أعمالهم فقط، بل للقاء والنقاش، وكأنها دارهم أو مركز يجمع شملهم. قد لا تكتمل زيارة القاهرة ثقافياً وأدبياً إن لم يعرّج الزائر أديباً كان أم شاعراً أم مثقفاً، على هذه الدار فيقرأ العناوين المعروضة في شكل شبه فوضوي على رفوف عادية. لكن عناوين الكتب وحدها تمنح الدار"هالة"تميّزها عن سائر الدور. انها الجرأة في النشر، الجرأة في اختيار الكتب، الجرأة في خوض المغامرة مع الروائيين الشباب والشعراء الشباب ومع المفكرين المعارضين والكتّاب"المختلفين"... والجرأة لا تنفصل لحظة هنا عن الحرية والتحرر والحداثة والتحديث... وما يميّز محمد هاشم الناشر انه يخوض معارك"كتّابه"وكأنها معاركه الشخصية، ويروّج لكتب الدار وكأنها كتبه، لا طمعاً بالمال بل سعياً الى ترسيخ الاصوات التي يتبناها، مصرياً وعربياً. ولعل الفوضى الجميلة التي يتسم بها تزيد من"نجوميته"كناشر لا يجيد تماماً مهنة التجارة والربح. وقد يسأل سائل في أحيان: كيف تصدر هذه الكتب وبأية معجزة؟ فهذا المثقف الفوضوي عرف كيف يجعل من الفوضى منطلقاً للعمل الذي يكتمل بنفسه من دون"جميلة"أحد. انها"فلسفة"محمد هاشم في النشر وهي نفسها"فلسفته"في الحياة والعيش والتفكير والنضال والمواجهة. وقد لا يكون مستغرباً ان يعاني الكتّاب الذين ينشرون لديه بعض المشاكل في احيان، لكنهم لا يتأففون ولا يغتاظون، فهم يعلمون جيداً انهم يتعاملون مع ناشر فريد، طليعي وهامشي ومثقف وفوضوي. وهذه الحال ليست فقط حال الكتاب المصريين بل الكتاب العرب الذين يقدمون على نشر اعمالهم لديه وقد باتوا كثراً. والدار التي انطلقت في الساحة المصرية اصبحت عربية مع ازدياد اسماء الكتاب العرب على لوائحها. وختاماً لا بد من تهنئة محمد هاشم على الجائزة المهمة التي منحه اياها اتحاد الناشرين الاميركيين لحرية النشر. فهذه الجائزة تزيد من رصيده الثقافي ومن اهمية الدور الذي يؤديه هو وداره، في دعم الحريات ومؤازرة الكتاب المعارضين والمضطهدين والمهمشين وفي الانفتاح على الأدب الجديد والشاب. ولم يمنحه الاتحاد الاميركي جائزته الا بعدما أدرك فرادة الدور الذي يؤديه محمد هاشم ناشراً وكاتباً ومناضلاً سياسياً.