طالما يتكلم مسؤولو"أوبك"عن السعر المستهدف للبترول، كونه سعراً عادلاً أو منصفاً لكل من المنتجين والمستهلكين. وقد تحول هذا الشعار من مجرد تصريحات إلى وثيقة رسمية للمنظمة صدرت أخيراً بعنوان"استراتيجية أوبك للأمد البعيد"، حيث ورد في الصفحة 18"أن هناك حاجة لدعم أسعار عادلة ومستقرة"، بمعنى أنها تضمن للمنتج ريعاً معقولاً من دون التأثير سلباً على مصالح المستهلكين. غير أن قصة السعر العادل هذه لا تنتهي، حيث لهذا السعر حركة في تصاعد دائم كلما زاد دخل الأقطار المنتجة للبترول. فعندما انهارت أسعار البترول عام 1998 إثر قرار"أوبك"الغريب في جاكارتا بزيادة الإنتاج بمقدار 10 في المئة في وقت انهار الطلب على النفط في آسيا إثر الأزمة الاقتصادية - المالية هناك ما أدى إلى هبوط السعر إلى أقل من 10 دولارات للبرميل، كان هدف الأوبك آنذاك رفع السعر الى مستويات ما قبل الانهيار، أي 18 دولاراً للبرميل. وفي بداية هذا العقد، قررت المنظمة سعراً مستهدفاً ضمن حدين. الأول، هو حد أدنى مقداره 22 دولاراً للبرميل، والآخر حداً أعلى هو 28 دولاراً للبرميل، مع ميكانيكية للحفاظ على هذين الحدين، وهي أن في حال ارتفاع الأسعار أكثر من الحد الأعلى لفترة معينة يصبح على"أوبك"زيادة الإنتاج نصف مليون برميل يومياً، وفي حال انخفاض السعر عن الحد الأدنى تخفض الإنتاج بالمقدار نفسه. أشارت التصريحات آنذاك الى ان السعر العادل هو بحدود 25 دولاراً للبرميل. ولكن عندما اجتمعت"أوبك"في الجزائر في مطلع 2004، كان السعر في السوق قد تجاوز 28 دولاراً. وبدلاً من زيادة الإنتاج بحسب الميكانيكية المذكورة، اتخذت المنظمة قراراً بخفض الإنتاج 10 في المئة. وخفض الانتاج فعلياً نحو نصف مليون برميل يومياً، ما أدى إلى رد فعل قوي من قبل سوق البترول بسبب الارتفاع المفاجئ في استهلاك الصين والولايات المتحدة. وهنا تناست"أوبك"سعرها العادل بنحو 25 دولاراً، واستمر في الصعود بحيث وصل السعر العادل الى 45 دولاراً ثم 50 دولاراً والآن 60 دولاراً. وصرح وزير في المنظمة لپ"الحياة"في 7 نيسان أبريل أن الأسعار الحالية، أي 60 دولاراً"هي أسعار معقولة بسبب الكلفة الاستثمارية". وكان رئيس"أوبك"قد صرح قبل ذلك بأن المنظمة ستبقي على سقف الإنتاج، وستتحرك في حالة انخفاض السعر عن المستوى الحالي بنسبة مهمة، أي أن مستوى الأسعار الحالي أصبح بنظر المنظمة هو السعر العادل. بديهي، إن لا وجود في علم الاقتصاد، أو اقتصاد السوق، لشيء أسمه السعر العادل، أو السعر المجزي، أو السعر المعقول، وغير ذلك من الأوصاف التجميلية. فإما أن يكون السعر خاضعاً لتبدلات العرض والطلب الحالية والمترقبة، وإما أن يكون سعراً احتكارياً تخطيطياً لتحقيق أهداف اقتصادية أو تجارية، وخصوصاً في ما يتعلق بحصة مستهدفة لبترول"أوبك"في سوق البترول العالمية وسوق الطاقة يمنع تطوير البديل. وهذا يتطلب أن يكون للمنظمة أهداف استراتيجية محددة وقابلة للتحقيق بوجود طاقات إنتاجية فائضة للتحكم بالإنتاج صعوداً أو نزولاً، ونظاماً سعرياً لا يشجع على الاستثمار في البديل. إن عدم الوضوح في مسألة تسعير النفط في"أوبك"لا يخدم أهداف المنظمة البعيدة المدى. فهناك اليوم مخاوف من صعوبة تصدير النفط بسبب الأوضاع الجيوسياسية في العراق ونيجيريا وفنزويلا. وإن عدم وضوح سياسة أسعار"أوبك"، وعدم تبنيها على أسس واقعية ومفهومة، قد يزيد هذه المخاوف لدى الأقطار المستهلكة التي ترى اليوم قضية الطاقة شغلها الشاغل. وإذا أخذنا في الاعتبار الحكمة القائلة أن من لا يقرأ التاريخ محكوم عليه أن يرتكب الأخطاء نفسها، نجد أن هذا الوضع لا يخدم مصالح دول"أوبك"في الأمد البعيد، حين ألقت الهزات السعرية في السبعينات بظلالها على موقع المنظمة سلباً في مواجهة حاجات الطاقة العالمية. وخير دليل على ذلك المقارنة بين مدى اعتماد أوروبا الغربية واليابان على نفط الشرق الأوسط في سد حاجات الطاقة لديها، ومدى الانخفاض الكبير في ذلك الاعتماد خلال العقود الأخيرة. ففي السبعينات، شكل النفط العربي 41 في المئة من استهلاك الطاقة الكلي في أوروبا. والآن هو أقل من 10 في المئة. أما في اليابان، فقد هبطت نسبة النفط العربي في مجمل سلة الطاقة هناك من 63 في المئة في السبعينات إلى 38 في المئة الآن. فهل تريد"أوبك"أن تكرر الشيء نفسه في الأقطار الأخرى من العالم؟ لقد دق الرئيس جورج بوش ناقوس الخطر في خطاب"حال الاتحاد"في الكونغرس في نهاية كانون الثاني يناير الماضي، عندما دعا إلى وقف الإدمان على النفط، وخصوصاً نفط الخليج. فهذا خير مؤشر على التغيرات المتوقعة في المستقبل في مجال الطاقة على حساب نفط الخليج. * خبير نفطي