في خطوة مفاجئة لأغلب المراقبين قرر وزراء دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (اوبك) خلال اجتماعهم الثلاثاء الماضي في الجزائر خفض سقف الانتاج بمقدار مليون برميل يومياً. وبهذا القرار ينخفض انتاج دول المنظمة الرسمي الى 23.5 مليون برميل نفط يوميا، مع العلم أن دول اوبك تنتج 1.6 مليون برميل يوميا زيادة عن السقف الرسمي لها بسبب رغبة من هذه الدول في الاستفادة من السعر المرتفع للنفط حاليا. وكانت اوبك تردد باستمرار ان النطاق المستهدف لسعر البرميل يتراوح من 22 دولارا الى 28 دولارا لذلك فإن قرار خفض الانتاج الذي سيؤدي الى ارتفاع الاسعار لم يكن متوقعا. ورغم ذلك، ومع اتفاق اغلب المحللين على توقع انخفاض الطلب على النفط بعد انتهاء فصل الشتاء، فإن منظمة اوبك ارادت بلا شك منع تراجع الاسعار في المستقبل. وفي قرار آخر لدعم سعر النفط قرر وزراء المنظمة منح الرئيس الحالي لها وهو وزير النفط الاندونيسي بورنومو يوسجيا نتورو تفويضا بإجراء تخفيض آخر للانتاج في حدود 700 الف برميل يوميا اذا انخفض سعر النفط عن 25 دولارا للبرميل دون الحاجة الى عقد اجتماع عاجل للوزراء ولا انتظار موعد الاجتماع الثاني. وينص قرار أوبك على اتخاذ خطوتين متتاليتين: الأولى، التزام الأقطار الأعضاء بالحصص الانتاجية المحددة لها، وذلك من خلال تبليغ الزبائن الذين سيحملون النفط لشهر مارس بأن حمولتهم ستخفض بنسبة 10% عما كان مطلوباً سابقاً. وهذا الأمر مهم جداً لأن هناك حوالي 1.5 مليون برميل يومياً من الإنتاج الفائض عن الحصص المحددة يجب سحبها من الأسواق. الثانية، تخفيض حصص الانتاج مليون برميل يومياً ابتداء من أول ابريل. ان تنفيذ هاتين الخطوتين سيعني سحب 2.5 مليون برميل يومياً من الأسواق، طبعاً هذا إذا افترضنا ان الدول الأعضاء ستنفذ هذا القرار فعلاً. وتجربة الأوبك طوال السنوات الماضية هي زيادة الانتاج كلما كان ذلك ممكناً وبالذات في حال ارتفاع الأسعار. ومن الواضح ان الأسواق والمحللين سيراقبون عن كثب تصرفات الأوبك في الأيام المقبلة لمعرفة ما الرسالة التي ستبلغ للشركات. فإذا كان هناك التزام، فهذا سيعني خطوة ايجابية نحو المرحلة الثانية. وإذا لم تلتزم أغلبية الأقطار، فلن يكون هناك أي اتفاق وستفقد الأوبك مصداقيتها. لقد تعلمت أوبك درساً قاسياً عام 1998 عندما زادت الأقطار الأعضاء من انتاجها ورفعت من مستوى المخزون النفطي العالمي، مما أدى إلى انهيار الأسعار الى 10 دولارات. ولم تنجح أوبك في تصحيح الأمور الا بعد 18 شهراً من العمل المضني، وخسارة عشرات المليارات من الدولارات. وعليه، فالسياسة الحالية هي رصد أوضاع السوق والتأكد من ان المخزون النفطي لن يزيد على مستوياته الحالية. فالمستوى الحالي يضمن حدوداً دنيا للأسعار. والهدف المنشود عند الأوبك الآن هو استقرار الأسعار في حدود 25 دولاراً لسلة نفوط أوبك. طبعاً، لا يمكن ضمان هذا المستوى بشكل متواصل ومستمر، فالأسعار ترتفع وتنخفض، لكن المهم ان تبقى على هذا المستوى عبر الأشهر المقبلة، وهو بالفعل ما حدث على مدى العامين الماضيين. لذلك، فإن غرض أوبك اليوم هو تطمين الدول المستهلكة الى ان أقطار المنظمة هي المسؤولة عن ضمان الامدادات النفطية الى الأسواق العالمية. وقد قامت الأوبك بهذا المجهود فعلاً من خلال تغطية المفقود والناقص من انتاج الدول في الأشهر الماضية عند نشوب الحروب والنزاعات والصراعات الداخلية. كما تبنت الأوبك سياسة ايجابية نشطة في الحوار مع الدول المستهلكة ووكالة الطاقة الدولية، من أجل تحقيق هذا الحوار وايجاد الثقة المتبادلة وتكريس المصداقية فيما تقوم به. ردود الفعل أولاً، هناك رد فعل الأسواق، وبالذات المعلومات عن مستوى مخزون النفط الخام والمنتجات البترولية في الأسابيع المقبلة، فأرقام هذا المخزون وبالذات في الولاياتالمتحدة، حيث المعلومات السريعة وحيث ربع استهلاك العالم من النفط، سيؤثر سلباً أو ايجاباً على الأسعار. ثانياً، هناك مصداقية الأوبك طبعاً لا نتوقع التزاماً تاماً (100%)، بل نتوقع التزاماً معقولاً ومهماً، وبالذات من قبل الدول المنتجة الكبرى. وفي ضوء هذا الالتزام والمصداقية يمكن تأكيد نجاح سياسة الأوبك الاستباقية أو إخفاقها. ثالثاً، وربما الأهم في المدى المتوسط، ردود فعل الدول المستهلكة على سياسة أوبك الاستباقية والنشطة والهادفة. فما مدى قبول الدول المستهلكة لقرار الأوبك اتخاذ زمام المبادرة في السياسة النفطية الدولية، وبالذات في الجو السياسي العام الذي تعيشه المنطقة العربية هذه الأيام؟ من الواضح ان أوبك قد أخذت زمام المبادرة، وبإصرار، من أجل تحقيق مستوى سعر 25 دولاراً. وعلى ما يبدو فان هناك قبولا على مضض من قبل الدول المستهلكة لهذه السياسة، ولهذا المستوى من الأسعار، فما أن أصدرت منظمة أوبك توصياتها بخفض الإنتاج النفطي، حتى إشتعلت الولاياتالمتحدة بأطيافها من سياسيين واقتصاديين، وطالب البعض منهم بتدخل الكونجرس لفرض نظام يحدد آلية الواردات الإقتصادية التي تأتي من الخارج. وقد حفلت الساعات الأخيرة بالكثير مما أفرزه القرار الأخير على المنطقة وعلى الإستراتيجيات الإقتصادية في العالم. فقال وزير الطاقة الامريكي إن بلاده لن تستجدي العالم طلبا لمزيد من الامدادات النفطية في اعقاب قرار اوبك خفض مستويات انتاجها، مؤكداً أن لأوبك أن تتخذ ما تشاء من قرارات، مجدداً موقف الإدارة الأمريكية بان الاسواق وليس اوبك هي من يقرر أسعار النفط والامدادات العالمية المناسبة من الخام. أما وزير الخزانة الامريكي فاعتبر أن اي خفض في انتاج اوبك من النفط سيكون بمثابة ضريبة على المستهلك الامريكي، مشيراً إلى أن قرار اوبك الأخير يعجل التعديل الذي يقترحه الكونجرس على سياسة الطاقة الامريكية، بحيث تجعل الولاياتالمتحدة اقل اعتمادا على اوبك والواردات الاجنبية.