تتزايد التعقيدات والعقبات في حل المشكلة الإيرانية - الأميركية، التي تحاول واشنطن تحويلها إلى مشكلة بين إيران والمجتمع الدولي، وهو ما نجحت فيه في الآونة الأخيرة. وما يزيد من هذه التعقيدات اللهجة القوية التي يتحدث بها الرئيس الإيراني الذي يصف الولاياتالمتحدة بالشيطان الأكبر، والتصريحات المتتالية التي تزيد من مخاوف إسرائيل، ما جعل الإدارة الأميركية تزيد من وتيرة الضغط على إيران بهدف إرغامها على وقف مشروعها النووي، والتهديد بإحالة ملفها النووي إلى مجلس الأمن، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان محاولات الإدارة الأميركية تحويل الملف العراقي إلى مجلس الأمن بدعوى أنه يمتلك أسلحة الدمار الشامل. فإصرار ايران على متابعة برنامجها النووي السلمي يدفع الولاياتالمتحدة إلى البحث عن تسوية سياسية، خصوصاً أنها مشغولة الآن بالمستنقع العراقي الذي يزداد تأزماً، إضافة إلى صعوبة خوض معركتين تحملان المعالم نفسها في وقت واحد، فاستخدام القوة حالياً ضد إيران مستبعد. بل لا يجد تأييداً من المجتمع الدولي، خصوصاً أن إيران تؤكد أن برنامجها النووي سلمي بل ومن حقها أن تطور مفاعلها النووي طالما أنه سلمي، ومن هذا المنطلق تبدأ اللعبة السياسية الأميركية التي تحاول إقناع العالم والمجتمع الدولي بأن البرنامج النووي الإيراني يهدف إلى تدمير إسرائيل، وأن إيران تسعى إلى تخصيب اليورانيوم وأن ادعاء إيران بأن البرنامج سلمي ما هو إلا غطاء يستر المخطط الإيراني، خصوصاً أن الرئيس الإيراني أعلن في أكثر من مرة عن رغبته في مسح إسرائيل من الخريطة. من الواضح أن الإدارة الأميركية تتبع الخطوات نفسها التي قامت بها مع النظام العراقي السابق، إلا أن هناك اختلافاً بسيطاً وهو أنها تتجنب المواجهة على الطريقة العراقية بل تحاول استئصال النظام الإيراني بأسلوب آخر، بعدما ارتكبت أخطاءً كبيرة في العراق، بدءاً بضرب العراق عسكرياً من دون قرار من مجلس الأمن، وانتهاءً بعدم القدرة على التحكم في الأمور في العراق حتى الآن، حيث تعرف الساحة العراقية حمامات من الدم، كما أن واشنطن تواجه انتقادات داخلية وخارجية، ما يزيد من المخاوف بعدم القدرة على السيطرة على الوضع في إيران في حالة توجيه ضربة عسكرية، فالإدارة الأميركية استوعبت الدرس العراقي الذي يتجه إلى حرب أهلية خصوصاً بعد فشل تشكيل حكومة قادرة على إدارة الدولة، وهو ما يدفعها إلى الحوار المباشر مع طهران وربما الى تقديم تنازلات للتوصل إلى تفاهمات أو صفقة بخصوص تقاسم الأدوار في العراق، خصوصاً أن لإيران مصالح دينية ومذهبية، إن صح التعبير، في العراق، ولعل منطق الواقع بدأ يفرض نفسه بقوة على قرارات الإدارة الأميركية، فهي تسعى إلى المقايضة مع إيران بشتى الوسائل، وقرار الكونغرس بتشكيل لجنة من شخصيات أميركية بارزة لوضع ما وصف بأنه تقويم واقعي وصريح للسياسة الأميركية في العراق لدليل على التنازلات التي تقدمها الإدارة الأميركية لأن القرار يأتي في ظل تهاوي التأييد للحرب على العراق ومعارضة التهديدات الموجهة إلى سورية وإيران. واللجنة التي يرأسها وزير الخارجية السابق جيمس بيكر تسعى إلى تقويم الوضع ووضع مقترحات للمستقبل، وما يزيد من تأكيد هذا الأمر ما صرح به فرانك وولف عضو الكونغرس بأن اللجنة ستقدم صورة جديدة للموقف، وهذا ما يؤكد أن الإدارة الأميركية في ورطة حقيقية بسبب موجة العنف الطائفي والمذابح اليومية، فما بالك اذا دخلت الإدارة الأميركية في مواجهة عسكرية مع إيران. جلال بوشعيب فرحي جدة - بريد الكتروني