«الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    رئيسة (WAIPA): رؤية 2030 نموذج يحتذى لتحقيق التنمية    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    إسماعيل رشيد: صوت أصيل يودّع الحياة    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    ألوان الطيف    ضاحية بيروت.. دمار شامل    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    أهمية قواعد البيانات في البحث الأكاديمي والمعلومات المالية    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    تطوير الموظفين.. دور من ؟    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليس أمام الإسرائيليين سوى العيش تحت المظلة النووية الإيرانية
معضلة قاسية تواجه إسرائيل: هل سقطت نظرية "عقيدة بيغين" في احتكار السلاح النووي؟
نشر في الرياض يوم 31 - 05 - 2010

قلل الاتفاق الإيراني البرازيلي التركي الأخير لنقل اليورانيوم المخصب الى خارج إيران، من فرص تشديد العقوبات عليها بسبب برنامجها النووي المثير للجدل. ولكن يمكننا افتراض أن يتم في نهاية الأمر اكتشاف أن هذا الاتفاق ليس إلا مراوغة وخدعة إيرانية لتفادي العراقيل في طريقها الى السلاح النووي. وإذا ما أضفنا الى ذلك تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فيمكننا الوصول الى نتيجة واضحة، وهي أن إسرائيل ستبذل قصارى جهدها – وبضمن ذلك القوة العسكرية – لمنع إيران من إنتاج القنبلة النووية. وبحسب نتنياهو فان هذه هي سياسة إسرائيل الواضحة. ولكن إذا تفحصنا الحقائق الواضحة فان الصورة ستتغير تماماً. فإسرائيل تواجه صعوبة كبيرة في القضاء على الطموحات النووية الإيرانية، بل من الصعب عليها حتى عرقلتها، والتخفيف من تسارع خطواتها.
صحيح أن من يصغي لأقوال نتنياهو لا يبقى لديه أدنى شك في أن امتلاك إيران للسلاح النووي يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، وأنها لن تقبل بوضع كهذا أبداً. وسبق أن أدلى رئيس الحكومة بتصريحات مشابهة في ابريل (نيسان) من العام 2009 ، بعد وقت قصير من توليه مهام منصبه. حيث قال في احتفال ذكرى "ضحايا النازية" "لن نسمح لمنكري الهولوكوست بتنفيذ محرقة أخرى بالشعب اليهودي". وأكد نفس أقواله السابقة هذه السنة أيضاً. هذا الافتراض تؤيده سوابق تاريخية. فمرتين قامت مقاتلات سلاح الجو بتدمير منشآت نووية في دول عربية معادية ، لمنعها من امتلاك السلاح النووي. المرة الأولى كانت قبل 29 عاماً ، وبالتحديد في السابع من يونيو عام 1981 ، حين قامت 8 طائرات من طراز (إف – 16) ترافقها 8 أخرى من طراز (إف – 15) بمهاجمة المفاعل العراقي الذي أقيم بمساعدة فرنسا قرب بغداد. وقد تم تدميره في دقيقتين فقط ، في عملية وقائية كلاسيكية هدفها منع صدام حسين من الحصول على السلاح النووي. وهذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها دولة ما بتدمير منشآت نووية في دولة أخرى. ويعود الفضل في تنفيذ تلك العملية الى رئيس الحكومة آنذاك مناحيم بيغين الذي عمل خلافاً لكل التوقعات. لقد كان عليه التغلب على معارضة الوزراء لهذه الخطوة، فقد كان المسؤولون في هيئة الأركان وجهاز المخابرات قلقين من ردة فعل العالم العربي، والإدانة الدولية للهجوم. أما رئيس المعارضة آنذاك شمعون بيريس – والذي يرى نفسه واحداً من مؤسسي المشروع النووي الإسرائيلي – فقد بذل جهوداً مضنيه لثني بيغين عن مهاجمة المنشآت العراقية ، وحذره من أن هذه العملية ستجعل إسرائيل معزولة في العالم. غير أن أصوات المعارضين لم تثنِ بيغين عن نواياه واستطاع بصعوبة تمرير القرار في الحكومة ، وكأن ذكريات "المحرقة النازية" أثرت بشكل كبير على تصرفاته ، وكان بيغين يردد دائماً "لن يتعرض الشعب اليهودي أبداً لأي تهديد وجودي". وتصريحات نتنياهو الآن تبدو كتأييد لما كان يقوله بيغين. وبعد تنفيذ الضربة العسكرية في العراق بادر العديد من المحللين الى تسمية قرار بيغين هذا وتمسكه الشديد بتنفيذ خطته ب "عقيدة بيغين" ، وأضفوا عليه بعداً استراتيجياً. ويرى هؤلاء المحللون ان جوهر هذه العقيدة هو القطع الصارم بان اسرائيل - التي يعتقد كل العالم بانها تمتلك السلاح النووي - لن تسمح لاي دولة اخرى في الشرق الاوسط بالحصول على هذا السلاح الذي يهدد أمنها مباشرة. لكن لا يوجد اجماع واسع حول هذه النظرية ، وأن "عقيدة بيغين" تظهر المخاوف الاسرائيلية من وقوع "محرقة جديدة". أيضاً هناك من يعتقد بان هناك عوامل أخرى ساهمت في ظهور هذه النظرية ،ليس بينها وبين السياق التاريخي او نزعة البقاء شيء. ببساطة من أجل الحفاظ على احتكارها النووي. ومهما كان الامر فان "عقيدة بيغين" هذه خضعت لاختبار جديد بعد 26 عاماً. ففي سبتمبر (أيلول) من العام 2007 عندما قامت المقاتلات الاسرائيلية بتدمير مفاعل نووي على ضفاف نهر الفرات ، بنته سورية بدعم مالي من ايران وخبراء من كوريا الشمالية. هناك بعض الفوارق البارزة بين الهجومين . فقبل الهجوم على العراق لم تبلغ اسرائيل أي دولة في العالم بنواياها ، حتى الولايات المتحدة التي كان يرئسها آنذاك رونالد ريغان رغم الود الكبير الذي يكنه لاسرائيل. وبعد الهجوم أعلنت اسرائيل رسمياً بأن سلاحها الجوي هو من نفذ الهجوم. أما في الحالة السورية - كما قيل - حصل العكس تماماً ، فحكومة اولمرت ووزير دفاعه باراك ابلغوا الولايات المتحدة عن الهجوم قبل تنفيذه بساعات فقط ، ولكن حتى اليوم لم تعلن اسرائيل رسمياً مسؤوليتها عن تلك العملية وفضلت استمرار الضبابية والغموض حولها. صورة اسرائيل في الساحة الدولية يشكلهما بقدر كبير هذان الهجومان الناجحان. فقد خلقا الانطباع بأن سلاح الجو خصوصاً والجيش الاسرائيلي عموماً قادران على التنفيذ بنجاح كل أمر من هذا النوع تتخذه الحكومة. لقد أصبح عدد غير قليل من السياسيين في اسرائيل وكذلك قادة عسكريون أسرى هذه الاسطورة. ولكن عمليا، الواقع أكثر تعقيدا بكثير. ففي الوقت الذي يواصل رئيس الوزراء الحديث علنا "ليس بعد اليوم أبدا" ووزير الدفاع يذكر بأن "كل الخيارات موضوعة على الطاولة"، الا أن لهجة صانعي القرار في القيادة العسكرية تختلف في المحادثات خلف الكواليس اختلافا تاما. وهم يفهمون المصاعب الاستراتيجية - العسكرية، السياسية والاقتصادية التي سيجلبها معه القرار بمهاجمة ايران.
مفاعل واحد، مفاعلات كثيرة
احد اوائل من عبروا عن هذا النهج الواعي هو العميد احتياط اسرائيل (رليك) شابير، الذي تبوأ قبل بضع سنوات المنصب الثالث في اهميته في سلاح الجو وشارك في الهجوم على المفاعل في العراق. ومنه سمعت قبل نحو خمس سنوات الادعاء المؤلم بأن سلاح الجو سيجد صعوبة في أن يعيد نجاحه في العراق بنجاح في ايران. وقال في حينه شابير ان "الايرانيين استخلصوا الدروس من الهجوم على المفاعل النووي في العراق. في العراق كل البرنامج النووي تركز في المفاعل. وأما الايرانيون فقاموا بتوزيع المنشآت النووية في أرجاء الدولة. بعضها توجد في القسم الشرقي. وقد حصنوا منشآتهم بحيث أنهم بنوها تحت الأرض او أقاموها في الخنادق المحصنة. وبكل صدق، ليس لسلاح الجو قدرة استراتيجية حقيقية على قصف أهداف بعيدة لفترة زمنية طويلة حتى لو استخدم القوة اللازمة لذلك". استنادا الى بحوث أجريت خارج البلاد، فان مواقع معظم المنشآت التي ستكون أغلب الظن هدفا للهجوم معروفة. وستكون هناك حاجة الى تدمير المنشأة الكيماوية لتحويل اليورانيوم في أطراف مدينة اصفهان، والمشروع لتخصيب اليورانيوم في نتنز، والمنشأة لتخصيب اليورانيوم قرب قم، وربما تكون هناك منشأة أخرى لتخصيب اليورانيوم لم تكتشف بعد. كما أنه كي ينجح الهجوم، سيتعين تدمير أهداف أخرى، عديدة ومتنوعة، حتى لو كانت معظمها معروفة لاجهزة الاستخبارات في اسرائيل وفي الغرب، واضح ان قوة عظمى ذات قدرة استراتيجية كالولايات المتحدة فقط يمكنها ان تهاجمها بنجاح. كما ان قائد سلاح الجو ورئيس الاركان السابق، دان حالوتس، كتب مؤخرا في كتابه "بمستوى العيون" يقول ان البرنامج النووي الايراني هو مشكلة عالمية، ووقوف اسرائيل في الجبهة لا يجدي في معالجة الموضوع. وحسب أقواله بسبب تعقيد المشكلة الايرانية، سيكون من الصحيح أن تعالجها دول أخرى. ولكن ليس فقط مسؤولو سلاح الجو السابقون والحاليون من يدعون بأن الواقع صعب من ناحية اسرائيل فقط. فالتعرف على طبيعة وسلوك معظم اعضاء القيادة السياسية والعسكرية في اسرائيل يؤدي ايضا الى الاستنتاج بأنهم يعرفون قيود القوة الاسرائيلية. نتنياهو يعتبر مترددا، وقلقاً ويبدو أنه يعيش حالة من الفزع وعليه سيجد صعوبة في أن يأمر الجيش في الانطلاق الى عملية. اما ايهود باراك ورئيس الاركان غابي اشكنازي، اللذان تحت قيادتهما هاجمت اسرائيل سورية، فيعتبران زعيمين حذرين ومتزنين يعرفان الفوارق الجوهرية بين الهجوم على المفاعل السوري والهجوم على المنشآت الايرانية. وحتى وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، رغم صورته كصقر مفترس، فقد أعرب قبل ثلاث سنوات عن موقف معتدل – وان كان واقعيا – بموجبه احتمالات الهجوم في ايران ضاعت عندما قرر الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الامتناع عن ذلك.
ماذا سيقولون في واشنطن
ولكن فوق كل شيء، فان الاعتبار الاساسي لاسرائيل في كل قرار يرتبط بمواضيع الامن الوطني والمسائل الوجودية كان دوما موقف الولايات المتحدة. تقريبا جميع التهديدات التي ترددت فيها اسرائيل في الحرب والسلام، فكرت اسرائيل قبل كل شيء ما الذي ستقوله وتفعله واشنطن. فقد انطلقت اسرائيل الى حرب الايام الستة (عدوان1967) فقط بعد ان اتضح لها بان الولايات المتحدة لن تعارض ذلك. وامتنعت اسرائيل عن الخروج في هجوم مبكر في اكتوبر 1973 ضد المصريين، حتى عندما كان واضحا لها بأن في غضون ساعات ستبدأ الحرب، فقط خشية ان تتهم الولايات المتحدة بالمسؤولية عن اندلاع المعركة. اسرائيل اجتاحت لبنان فقط بعد ان فهم وزير (الدفاع) اريئيل شارون من وزير الخارجية الامريكي اليكسندر هيغ بان ادارة ريغان ستسلم بذلك. من هنا يمكننا أن تستنج استنتاجاً منطقياً وهو ان اسرائيل لن تخرج للهجوم على ايران طالما تعارض ادارة اوباما ذلك بشدة. وكي لا يكون مجال للاخطاء، حرصت الادارة بأن يصل الى اسرائيل العديد من كبار مسؤوليها وان يوضحوا موقفهم بلغة لا تقبل التأويل. وخلال الاشهر الستة الماضية زار عدد كبير من المسؤولين الاميركيين اسرائيل، على رأسهم نائب الرئيس جو بايدن، ورئيس (السي آي ايه) ليئون بانتا، ورئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيري ورئيس الاركان مايك مالن – كي يقولوا لقادتها "لا تفعلوا ذلك". الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي يخشيان من أن تحاول ايران الانتقام بالرد على قوات الولايات المتحدة والناتو في افغانستان وفي العراق. ويقول بروس ريدل، الباحث الكبير السابق في ال (سي آي ايه) والمستشار الخاص للرئيس اوباما "انهم بالتأكيد قادرون على جعل حياة جنودنا هناك جحيما". مثل هذا الهجوم سيخلق عدم استقرار في الشرق الاوسط، وسيزيد التأييد السني لايران الشيعية وسيعرض الاستقرار في المنطقة. ومن النتائج المتوقعة قيام ايران باغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره اكثر من ربع النفط العالمي. اغلاق ايراني كهذا، حتى لو اقتحمه في النهاية الاسطول الاميركي سيرفع اسعار النفط الى ذروة جديدة ويحدث اضطرابا اقتصاديا في العالم. ولكن تعالوا نفترض انه في مرحلة معينة، كمخرج أخير، غيرت الادارة الاميركية رأيها وسمحت لاسرائيل بمهاجمة ايران. فهل سيكون لزعماء اسرائيل الجرأة لأن يأمروا بانطلاق مثل هذا الهجوم ؟ هناك عدة اعتبارات سيتعين على اسرائيل ان تأخذها بالحسبان. الاعتبار الاول هو الاستخبارات. في السنوات الاخيرة ازدادت كمية ونوعية المعلومات التي تصل الى الغرب عن البرنامج النووي الايراني: تم تجنيد المزيد من العملاء، تم تطوير أساليب جمع المعلومات التكنولوجية، كما تم ترتيب فرار علماء وضباط كبار كشفوا جوانبَ من البرنامج النووي وتعزز التعاون بين وكالات الاستخبارات، بما في ذلك استخدام مشترك للوكلاء. وبالمقابل، تم احباط محاولات ايرانية، بما في ذلك من خلال شركات وهمية، لان تشتري في الغرب معدات تطوير البرنامج. في نهاية 2008 تبين من محاكمة تاجر الالكترونيات في طهران، علي اشتري انه اتهم بأنه عمل في خدمة الموساد وباع لايران معدات معطوبة في محاولة "لتسميم" البرنامج النووي. وقد أعدم اشتري.
الصمت العربي
ولكن في السطر الاخير، رغم النجاحات التي ينبغي أن نعزوها للموساد ورئيسها، مائير دغان، فان الاخير لم يف بالوعد الذي قطعه للحكومة عندما تسلم مهام منصبه قبل ثماني سنوات وهو احباط البرنامج النووي الايراني. فطهران تواصل التقدم، وان كان ببطء، نحو هدفها. وعليه، واضح لكل من يشارك في عملية اتخاذ القرارات بأنه اذا كانت في نية اسرائيل احباط البرنامج النووي الايراني، فيتعين عليها ان تفعل ذلك من خلال هجوم جوي، يرافقه اطلاق صواريخ ارض ارض تطلق من قواعد في اسرائيل وربما ايضا من ثلاث غواصات "دولفين" لسلاح البحرية. وحتى قبل فحص قدرة سلاح الجو على القيام بالمهمة – ويبدو ان هذه محدودة جدا، وبالتأكيد بالنسبة للولايات المتحدة – يتبادر الى الذهن سؤال، وهو أي مسار طيران سيتم اختياره. حسب بحوث نشرت في السنوات الاخيرة في الولايات المتحدة، هناك ثلاثة مسارات محتملة: الجنوبي والطويل، عبر الجزيرة العربية، الوسط والقصير فوق الاردن والعراق، والشمالي في خط تماس الحدود السورية - التركية. لكل مسار يوجد مزايا ونواقص وجوانب يجب ان تؤخذ بالحسبان، تؤثر على كمية الذخيرة التي يمكن للطائرات ان تحملها (يتعلق الامر في الاختيار اذا كان الطيران سيكون على ارتفاع منخفض او مرتفع)، على التزود بالوقود في الجو وبالاساس على الخطر في أن تنكشف وتطلق ضدها طائرات اعتراض معادية. مسألة اخرى هي عدد الطائرات التي يمكنها ان تشارك في الهجوم. حسب تلك البحوث، يمكن لاسرائيل ان تطلق حتى 120 طائرة هجومية وقتالية (بما في ذلك لمهمات المرافقة، الاعتراض والتزويد بالوقود)، وستجد صعوبة في تنفيذ اكثر من طلعة واحدة. واضح ان مثل هذا العدد من الطائرات سيحدد ايضا كمية الذخيرة التي ستحملها. واضح بما فيه الكفاية بأن مثل هذا الهجوم لن يتم الا من خلال ذخيرة تقليدية. كل ذي عقل يفهم بأنه اذا ما استخدمت اسرائيل في الهجوم السلاح النووي المنسوب لها (خلافا لاستخدامه لاغراض الدفاع عن النفس)، فستعزل نفسها ولن يكون لها قبول بين أمم العالم، حتى مؤيديها سينفضون من حولها. وحتى لو كانت طائرات سلاح الجو تحمل ذخيرة تقليدية نوعية، فهل سيكون فيها ما يكفي كي تتغلغل الى الخنادق الحصينة تحت الارض ؟ الولايات المتحدة ترفض ان تنقل الى اسرائيل القنابل الحديثة والذكية للغاية لديها، والتي تسمى "محطمة الخنادق"، لمساعدتها في تدمير الاهداف. وحتى لو دمرت الاهداف، فان على مخططي العملية ان يسألوا انفسهم كم من الوقت سيستغرق ايران اعادة بنائها. فهل من المجدي أخذ كل هذه المخاطر لارجاء البرنامج النووي الايراني لسنتين – ثلاث سنوات ؟ ولم نذكر بعد الثمن الذي ستجبيه هذه العملية طيارين وطائرات لن تعود من المهمة وهي مسألة هي ايضا يجب ان تدرس لدى من هم مسؤولون عن البحث في الأداء التنفيذي. واعتبار آخر، بالاساس للقيادة السياسية. معظم الدول العربية قلقة بقدر لا يقل عن اسرائيل من امكانية ان تتسلح ايران بسلاح نووي، لكنها لن تتجرأ على ان تؤيد علنا "هجوما اسرائيليا" على ايران، فما بالك ان تسمح لطائرات سلاح الجو بالتحليق في مجالها الجوي، حتى وان كان همسا وسرا تتمنى مثل هذا الهجوم. على اسرائيل ان تأخذ بالحسبان بأن هذه الانظمة، تخشى من غضب الجماهير في دولها ، وستضطر ليس فقط الى شجب "العدوان الاسرائيلي" بل وان تتخذ ايضا خطوات عملية كقطع العلاقات الدبلوماسية معها.
العيش في ظل القنبلة
ولكن لعل الاعتبار الاهم الذي يقف امامه اصحاب القرار في اسرائيل هو رد فعل ايران على الهجوم. ايران سترد، بل وسترد جدا. وعلى الاقل ستطلق مائة صاروخ "شهاب" نحو اسرائيل. بعضها لن يصل الى اهدافها وبعضها سيعترض من منظومة "حيتس" ولكن بعضها سيضرب اهدافا في اسرائيل. اضافة الى ذلك، ستستخدم ايران "حزب الله" بصواريخه ومقذوفاته الصاروخية التي تغطي كل "الاراضي الاسرائيلية". كما ينبغي الاخذ بالحسبان ايضا احتمال انضمام سورية للمعركة ، والتي تملك مخزوناً من الصواريخ اكبر مما لدى "حزب الله". من غير المستبعد ان تدخل "حماس" ايضا الى العمل وتهرع الى مساعدة الايرانيين الذين يحسنون اليها ويرعونها. ايران "ستوقظ" شبكات (الارهاب) النائمة خاصتها في ارجاء العالم، كي تحاول ضرب أهداف اسرائيلية ويهودية. ومع ان كل الوسائل التي توجد تحت تصرف ايران لا تشكل تهديدا وجوديا على اسرائيل، الا ان هناك شكاً كبيراً في استعداد الجبهة الداخلية الاسرائيلية لتقديم التضحيات والتي تحركها وسائل اعلام عطشى للفضائح ، وأن تكون قادرة على الصمود في مثل هذه المعركة، حتى لو كانت اضرارها محدودة. حيال المخاطر، انعدام اليقين، والمتغيرات الكثيرة جدا، فان الاستنتاج المعقول الذي يمكن استخلاصه هو ان زعماء اسرائيل سيجدون صعوبة باتخاذ قرار بقصف ايران. والمعنى هو ان اسرائيل سيتعين عليها ان تعيش في ظل المظلة النووية الايرانية بكل الاثار التي ستكون لذلك على مواطنيها، الذين قد يصل بعضهم الى الاستنتاج بأن ليس لهم ولابنائهم مستقبل هنا في مثل هذا الوضع وسيفضلون الهجرة. السلاح النووي في يد ايران سيشجع دولا عربية للسعي للحصول عليه، وسيبدأ في الشرق الاوسط عصر جديد من سباق التسلح النووي. وحينها يتعين على اسرائيل أن تسلم بهذا الوضع. ولكن من جهة اخرى، ألا تستطيع القيادة الاسرائيلية حقا أن تتعايش مع مثل هذا الواقع الذي يكون فيه وجود دولة الشعب اليهودي خاضعا لرحمة زعيم ذي ميول مسيحانية يدعي المرة تلو الاخرى بأن ليس لاسرائيل الحق في الوجود وان عليها ان تشطب من الخريطة؟ من كل ما قيل أعلاه، واضح ان معضلة "القصف او عدم القصف" التي تقف أمامها القيادة الاسرائيلية هي من أشد المعضلات قسوة في تاريخ اسرائيل. لا تقل قسوة عن قرار دافيد بن غوريون الاعلان في مايو 1948 عن اقامة الدولة.
يوسي ملمان
صحيفة «هآرتس»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.