فجأة طفت على السطح مسألة الدعوة إلى حماية دولية للمدنيين في سورية. في إطار المعارضة السورية في الخارج كان يبدو منذ زمن أن هناك من يبني إستراتيجيته على التدخل الخارجي، وكانت الوحشية التي يمارسها النظام، والتي تصاعدت خلال آب (أغسطس) مدخلاً لانفلات الأصوات التي تدعو إلى «تخفيض كلفة الدم» من خلال التدخل الدولي. ثم بدأنا نلمس تسرباً للافتات ترفع في التظاهرات تدعو للحماية الدولية، قبل أن يصبح هذا هو عنوان يوم الجمعة 9/9/ 2011. بغض النظر عمن يريد ذلك من المعارضة، ومن يعتقد بأنه عاجز عن الوصول إلى السلطة إلا عبر هذا الطريق، هل الحماية الدولية ضرورة؟ وهل هي المدخل الى المطالبة بتدخل دولي؟ حين انتفضت الطبقات الشعبية لم تفكّر إلا في مواجهة السلطة من أجل إسقاطها. ولا يزال واضحاً إصرارهم على هذه المسألة، واندفاعهم رغم كل الوحشية التي تظهر من قوى السلطة. وهي ترى أن عليها أن تستمر رغم كل ذلك. بالتالي، فهي لم تنتفض من أجل حماية دولية أو تدخل دولي بل من أجل إسقاط السلطة. ولا شك في أن كل الذين بدأوا يطالبون بالتدخل أو الحماية لم يثقوا أصلاً بقوة الطبقات الشعبية، وبصلابتها، ولم تعتقد بأنها يمكن أن تنتفض، ومن الواضح أنهم ما زالوا لا يثقون بأنها قادرة على تحقيق التغيير، لهذا يندفعون لاستغلال ما يجري من أجل إطلاق هذه الدعوات. وهم يرتبون لكي يكونوا هم السلطة الجديدة، وربما هذا هو مغزى كل النشاط الذي يجري في الخارج من أجل تشكيل مجالس انتقالية أو حكومات انتقالية. وهذه القوى لم يكن لها وجود في الواقع، وربما مدّت بعض الخطوط مع فئات باتت تستفيد منها في رفع بعض الشعارات التي تريدها، والتي تتسابق الفضائيات لعرضها رغم أنها ليست إلا هامشاً في حراك كبير. ولا شك في أن الوحشية التي مورست سمحت بتسرب مطلب الحماية الدولية، لكن لافتات كثيرة رفعت كانت تؤكد رفض كل تدخل إمبريالي، لم تجد من الفضائيات من يشير إليها. وهذا يفرض أن نلمس انعكاس تجربة الاحتلال الأميركي للعراق في الوعي الشعبي السوري نتيجة كون سورية هي البلد الذي استقبل أكبر كتلة من العراقيين الفارين بسبب الاحتلال والظروف التي أوجدها. وقد كان ذلك، ولا يزال، في أساس تردد قطاعات مجتمعية في الانتفاض على السلطة، خشية من الفوضى والتدخل الخارجي والحرب الطائفية. وبالتالي فإن عبء التجربة العراقية يجثو على صدر السوريين، ويجعلهم يتحسسون من كل ميل الى التدخل الإمبريالي، أو الصراع الطائفي معاً. وإذا كانت قطاعات لم تشارك في الانتفاضة بعد خشية هذا المصير (مثل قطاعات من الأقليات)، فإن تصاعد هذه الدعوات سيفضي إلى تخوف قطاعات مشاركة الآن، ومن ثم ضعف الانتفاضة. ربما هذا ما لا يهم القوى التي تدعو للتدخل، حيث إنها تعرف أنها لن تأتي إلا عبر التدخل الإمبريالي، لكنه يهم كل معني بتطور الانتفاضة وانتصارها. حيث إن عليها أن توسع مشاركة الطبقات الشعبية كلها في الانتفاضة، وأن تجهد من أجل توضيح طابع الانتفاضة وأهدافها، وأن تزيل كل ما يوجد تشوشاً عند فئة من هذه الطبقات. وبالتالي أن تواجه كل دعوة يمكن أن تزيد في التشوش وتقدّم للسلطة ما يفيد ماكيناتها الإعلامية. ليست الحماية الدولية سوى المفتاح للوصول إلى طلب التدخل الإمبريالي، وهي لا تخفف الدم بل تفتح على نزيف أعلى من الدم، وعلى تدمير للبلد تريده الشركات الإمبريالية التي تتلهف للحصول على عقود «إعادة الإعمار»، وبالتالي على قتل أكثر. حتى في ليبيا مارس الناتو ذلك، فامتد الحسم الذي كان يمكن أن يتحقق في فترة وجيزة إلى ستة أشهر من القصف والتدمير، من دون أن نذكر وضع العراق. والأهم أن لا بد للنخب من أن تصل إلى نتيجة بسيطة هي أن الشعب قادر على التغيير، وبالتالي أن تتجاوز عدميتها وأوهامها. فما يجري في الوطن العربي يفتح على مرحلة جديدة يصيغها الشعب، وستقود إلى تغيير عميق. * كاتب سوري