الخوف من «انتصار» الإسلاميين في سورية كان، حتى قبل صدور نتائج الانتخابات في تونس، ومصر، حيث ظهر واضحاً «انتصار»هم، وتشكيلهم الحكومة في تونس، وربما في مصر كذلك إذا تقرر أن تكون الحكومة هي من الأغلبية التي فازت في انتخابات مجلس الشعب، وأيضاً في المغرب حيث شكّل «حزب ديني» الحكومة. وكان الخوف يعني، ولا يزال، نهاية سلطة «علمانية» أو حكم «طائفة» لمصلحة الإسلام السياسي، المتمثل بالإخوان المسلمين. الأمر الذي أخاف ولا يزال يخيف قطاعاً كبيراً من العلمانيين، وأيضاً «الأقليات الدينية». وبدا الأمر وكأن الانتفاضة الشعبية الهائلة، بتوسعها «السنّي»، لن تأتي بغير هؤلاء، مما يجعل الحفاظ على السلطة القائمة أمراً ضرورياً و «عقلانياً» بالنسبة الى الطرفين، العلماني و «الأقلوي»، على رغم كل الآراء فيها، والمواقف فيها. وكان نقص الشعارات في الانتفاضة، الذي كان يعوّض عنه بهتافات دينية، والتقاط بعض التصريحات «الطائفية» التي تعزز من هذه الصورة، والتي تصدر من طائفيين أو حتى «متطيفين» خارج سورية، مدخلاً لتأكيد أن «الغول» قادم. وبالتالي أن ليس من خيار سوى عدم الاعتراف بأن ما يجري هو انتفاضة شعبية. ومن ثم التمسك بدعم السلطة، أو عدم الانجراف في تيار الانتفاضة. ومن ثم أتت الانتخابات التونسية، ثم المصرية، لكي تؤكد ما كان مؤكداً أصلاً. هذا الأمر لا شك أضعف الانتفاضة، وأربكها، وأيضاً أطالها، لأن الواقع يشير إلى أن كل هؤلاء المتشككين والمتخوفين هم في الوضع ذاته مع الطبقات الشعبية التي انتفضت، فهم منها أصلاً، مشاكلهم هي مشاكلها ذاتها، سواء تعلق الأمر بالبطالة أو الفقر أو الاستبداد، لهذا كان يجب أن يكونوا في الصراع من أجل «إسقاط النظام»، وفرض بديل يعبّر عنهم. لكن هذا «البعبع» وقف حاجزاً أمام هذا الانخراط. وقد لعبت السلطة جيداً على هذا التخوّف، وأحياناً فرضته ب «القوة»، عبر الضغط. لكن، هل هناك خوف من أن يتسلم الإسلاميون السلطة في سورية أيضاً؟ أظن أن سورية ستكون هي نقطة «الانقلاب» نحو سياق آخر لمآل الانتفاضات العربية، ليس فقط لأن ما يقارب ال30 في المئة من السكان هم من الأقليات (الدينية والإثنية)، بل لأن الظروف التي توافرت لقوى إسلامية لم تشارك فعلياً في الانتفاضات، في تونس، ومصر و (المغرب)، لن تتوافر في سورية. فعملية الالتفاف على الانتفاضات في تونس ومصر اعتمدت على دور لقيادة الجيش، وبالتفاهم مع الولاياتالمتحدة جرى «عقد تحالف» مع الإسلاميين، الذين حظوا برعاية السلطة خلال الانتخابات ومن خلال تشغيل ماكينة الدعاية والإعلام، وتحيّز بيروقراطية السلطة، و «بلطجية» الأحياء، وحتى ربما التزوير كما في مصر، وفّرت لهم إمكانية كبيرة (مع القدرة المالية لديهم) لحصد أكبر عدد من المقاعد (حركة النهضة حصدت 40 في المئة من أصوات الذين انتخبوا، وهم 48 في المئة من الذين يحق لهم الانتخاب، أي أنها حصدت أقل من 20 في المئة من الأصوات. والإسلاميون في مصر اعتمدوا على «قرار» بتغريم كل من لا يصوت ب 500 جنيه، في جلب فئات مفقرة للتصويت لهم رفعت من حجمهم كثيراً). وبهذا، فإن على رغم الدعم السلطوي، والمقدرة المالية، و «الرمزية» التي حصلت عليها، لم تكن لتحصل إلا على جزء قليل من الناخبين. في سورية لن يكون ذلك ممكناً، لأن أي تغيير لن يأتي بقوى في السلطة تدعم الإسلاميين، بل ستحافظ السلطة الجديدة على حساسيات المجتمع، وعلى التوازنات السياسية التي ستفرض التغيير، سواء تعلق الأمر بالمسألة «الوطنية» أو «الطائفية» أو «الطبقية». بمعنى أن السلطة «الجديدة» لن تكون في وارد دعم الإسلاميين، ولا توفير الظروف التي تجعلهم الحزب الأكبر، على العكس – وعلى رغم إمكانية السماح لهم – ستكون في وارد أن تطفو على السطح أحزاب أخرى، وتلوينات متعددة. ربما هذا ما يدفع الإسلاميين أكثر من غيرهم إلى التركيز على التدخل الدولي (على الطريقة الليبية أو حتى العراقية)، حيث يصبح المجلس الانتقالي الذي هم القوة الأساسية فيه هو السلطة الجديدة. ويرون أن أي تغيير داخلي هو إبعاد لهم، على رغم «الوعد الإلهي» الذي أشار إليه بعض الإخوان المصريين، الذين اعتبروا أن ما يجري من وصولهم إلى السلطة هو «معجزة إلهية»... الأمر الذي قد يدفعهم إلى «حماقات» تخدم السلطة وتربك الانتفاضة. لكنها لن تغيّر من المسار الذي يتوضّح بأنْ ليس هناك تدخل عسكري دولي، والأمر متروك لتطور الانتفاضة ذاتها... ما يفرض كسر حاجز الخوف من «سيطرة أصولية» على السلطة لدى فئات متخوّفة، لكي يكون التغيير شعبياً بعيداً من كل الحساسيات الطائفية، أو الخوف من التدخل الخارجي. فهذه المشاركة هي التي تفرض تغييراً يخدم الطبقات الشعبية كلها، ويؤسس لمجتمع يقوم على مبدأ المواطنة وليس الطائفة. وإذا كان انتصار الإسلاميين في تونس ومصر والمغرب ضخّم من الخوف من الإسلاميين، فإن حجم النجاح محدود على رغم التضخيم الإعلامي من جهة، وسيتوضّح أن الصراع الشعبي يتحوّل إلى صراع ضد السلة «الإسلامية» الجديدة لأنها لا تملك أي حلّ للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت في أساس الانتفاضة، وأن الصراع بالتالي مستمر، وسيكون واضحاً أن «بعبع» الإسلاميين ليس سوى فقاعة في سياق تاريخي سيفرض تغييراً عميقاً لمصلحة الطبقات الشعبية. إذاً، لن يأتي الإسلاميون ب «الباراشوت»، ولن يكون التغيير الذي يمكن أن يحقق انفراجاً ديموقراطياً داعماً لهم كما حدث في تونس ومصر. وهنا ستكون النتائج أكثر تنوعاً، و «توازناً». بالتالي، لا خوف من الإسلاميين في سورية. * كاتب سوري