قبل يومين على موعد الاقتراع في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، بدت مدينة القدس كأنها جزيرة معزولة عن محيطها الفلسطيني. فلا هي تعيش صخب الحملات الانتخابية مثل غيرها من المدن، ولا هي تتفاعل بحماسة مع الحدث. وتخيم على المقدسيين حال من اليأس والمرارة واللامبالاة لعلمهم المسبق بأن الانتخابات ستفرز نواباً مع وقف التنفيذ وبلا صلاحيات في ظل الاحتلال. وهم يشكون من تحول قضيتهم الى"شعارات سياسية"ومن تجاهل السلطة الفلسطينية لهم. والوضع في القدس معقد جداً بسبب خصوصيتها السياسية. يقطنها 250 الف مقدسي، أقل من نصفهم داخل الجدار الفاصل ويحملون الهوية الاسرائيلية الزرقاء، في حين يقيم 145 الف فلسطيني في ضواحي القدس خارج الجدار وتعتبرهم اسرائيل من سكان الضفة الغربية. واخيراً وافقت تل ابيب بفعل الضغوط الاميركية على ان يقترع 6300 مقدسي في مراكز بريد في المدينة على غرار الانتخابات السابقة، في حين اقامت لجنة الانتخابات 14 مركز اقتراع في الضواحي. ويتنافس على ستة مقاعد في دائرة القدس 29 مرشحاً مستقلاً، وستة من"فتح"واربعة من"حماس"، اضافة الى قوائم الكتل. وتبدو الدعاية الانتخابية في القدس خجولة ومتواضعة جدا مقارنة بالمدن الاخرى، وتقتصر على ملصقات من الحجم الصغير على ابواب المحلات وزجاجها واعمدة الكهرباء. لا شيء غير اعتيادي، لا دراما او معارك انتخابية او منافسة حامية، لا وجود ملحوظاً للمرشحين، لا صخب، لا مهرجانات او اجتماعات مفتوحة. في هذه الاجواء، يجد المقدسي نفسه في وضع لا يحسد عليه، فهو يعلم أن صوته مهم سياسياً، بمعنى انه يصوّت لمصلحة تثبيت السيادة الفلسطينية على المدينة على اساس ان نسبة المشاركة في الانتخابات مسألة مهمة. وهو يدرك في الوقت نفسه أن ممثليه لا يملكون صلاحيات تحت الاحتلال. يفاقم من ذلك خوفه من فقدان مواطنته وحقوقه المكتسبة بعد ان عمدت اسرائيل الى بث اشاعات بأنها ستسحب الهوية الزرقاء من المقدسيين الذين يقترعون، او انها ستحرمهم من مزايا وخدمات يتمتعون بها مثل الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، وهي مخاوف لم ينجح المرشحون ولا السلطة في تهدئتها رغم تأكيدهم وجود ضمانات اسرائيلية وسوابق مشابهة ومواثيق دولية تمنع ذلك. ويعتبر مرشح حركة"فتح"حاتم عبدالقادر ان تصويت المقدسيين يكتسب اهمية سياسية اكثر منها انتخابية لانه تأكيد لعروبة القدس ورفض الاحتلال. ويضيف ان الفلسطينيين حصلوا على تطمينات بحرية المشاركة من دون المس بحقوقهم المكتسبة. من جانبه، استبعد المرشح على قائمة"الاصلاح والتغيير"التابعة ل"حركة المقاومة الاسلامية"محمد ابو طير ان يتقاعس المقدسيون عن التصويت وممارسة حقهم. واعتبر ان الفوز مضمون لكتلته اذا خلت الانتخابات من التزوير، متوقعاً ان تعمد اسرائيل الى تزوير الانتخابات اثناء نقل صناديق الاقتراع. لكن ما هو رأي المقدسيين في الانتخابات؟"الحياة"جالت في القدسالشرقية واستمزجت آراء السكان الذين انقسموا في الرأي بين تيارين، احدهما اعلن انه سيقترع لان ذلك حقه، والثاني اعلن انه سيقاطع إما احتجاجاً على الانتخابات نفسها، او على المرشحين، او على اهمال السلطة للمقدسيين او خوفاً من التهديدات الاسرائيلية. تقول سيدة مقدسية:"نعم سأنتخب رغم اني لا آمل خيراً"، مقللة من اهمية الاشاعات عن حرمان المقترعين من حقوقهم. وتضيف صحافية فلسطينية انها ستقترع لأنها تريد اختيار من يمثلها واستبعاد المنتفعين. وأقرت بأن الانتخابات"ليس لها معنى حقيقي بالنسبة الى المواطن الذي يشكك في قدرة المرشح على خدمته وهو تحت الاحتلال مباشرة". في المقابل، قال موظف في جامعة القدس انه لن ينتخب"لان الجميع يتعامل مع قضية القدس كشعارات سياسية، اضافة الى الصراع على الكراسي السلطة والمحسوبيات وعدم اهتمام السلطة بنا. المرشحون ليس بيدهم شيء، وان استطاعوا فسيعملون لانفسهم". وقال صاحب مكتبة انه لن ينتخب"من منطلق ديني"لان الانتخابات"حرام شرعاً". وتوقع ان يقترع ما بين 40-45 الف مقدسي، مشيرا الى انه يستند في تقديراته الى ما جرى في الانتخابات الرئاسية. وقال ان الوضع في قرى القدس مختلف عن العاصمة والتصويت سيكون مرتفعاً. واستبعد ان تكون ل"حماس"شعبية كبيرة في القدس.