توجهت صباح امس من رام الله الى القدسالمحتلة لأرصد سير عملية الاقتراع في بعض مراكز الانتخابات في المدينة المقدسة في جو شتوي بارد على رغم زرقة السماء وأشعة الشمس. وكان الجو مشبعاً أيضاً بمخاوف الفلسطينيين من احتمال تدخل سلطات الاحتلال الاسرائيلي في انتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية أو اعاقتها في القدس. قررت في الطريق ان أنزل الى بعض مراكز الاقتراع في مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله لاستطيع مقارنة سير عملية الانتخابات فيها بما قد أشاهد في القدسالمحتلة. قبل يومين من الانتخابات نشرت الصحف الفلسطينية"بيان استنكار"صادراً عن ممثلي الهيئات الدينية والوطنية والمؤسسات الأهلية في القدس بخصوص العملية الانتخابية في المدينة، ووقع على البيان أكثر من 150 شخصية مقدسية احتجت خصوصاً على طريقة الانتخابات بواسطة خدمات البريد الاسرائيلية، وطالبت"باشراف فلسطيني كامل"على الانتخابات"وتحت رقابة محلية ودولية ليتسنى لمواطني المدينة التصويت بشكل مباشر والتعبير عن رأيهم بشكل حر ونزيه". لم يستطع أحد تلبية طلب الموقعين على ذلك البيان، اذ اضطرت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية الى القبول بالاجراءات الاسرائيلية المتفق عليها حسب اتفاقات أوسلو والتي اتبعت في انتخابات 1996. دخلت الى مركز اقتراعي في مدرسة النجاح الثانوية للبنات في البيرة وراقبت شاباً يدخل الى قاعة الاقتراع. قدم بطاقة هويته فدققتها موظفة عثرت على اسمه في سجل الناخبين وشطبت عليه. تقدم بعد ذلك الى طاولة مجاورة جلست اليها"موظفة أوراق الاقتراع"التي سلمته ورقة الاقتراع وختمت على اظفر إبهامه اليمنى بحبر أسود لئلا يكرر الانتخاب في مركز آخر. انحنى وراء حاجز كرتوني ثم برز من ورائه ووضع ورقة الانتخاب في الصندوق المقفل. ذلك الناخب الشاب واسمه أحمد، قال لي:"الانتخابات مهمة للخروج من الوضع الحالي. نأمل بأن تفتح الطريق المسدود وان تحرك الوضع السياسي". أحمد أدلى بصوته ل"أبو مازن". انتقلت الى مركز اقتراع آخر رقمه 462، في دائرة رام الله والبيرة الانتخابية. دخل ناخب اتبع خطوات مطابقة لما رأيت في المركز السابق. قال لي الناخب عبدالله رداً على سؤالي:"الانتخابات مسألة مصيرية بالنسبة إلينا. نريد التغيير الداخلي، وأهم شيء مكافحة الفساد". سألته:"لمن أعطيت صوتك؟"فأجاب:"للدكتور مصطفى البرغوثي". وما الذي يأمل بأن يحققه له الفائز في الانتخابات؟ أجاب:"المهم عدم التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني. ان لم يكن الحل قريباً بسبب موازين القوى، فإن علينا أن نعالج وضعنا الداخلي على الأقل". وأضاف:"نرفض أن نستسلم. الشيء الكثير يعتمد على الرئيس الجديد". في المركزين السابقين كان انطباعي ان العملية الانتخابية تجري بيسر وبطريقة منظمة جداً. انتقلت الى مخيم قلنديا للاجئين ودخلت مركز اقتراع قائم قبل حاجز قلنديا العسكري الاسرائيلي السيء الصيت والسمعة ويبعد عنه نحو 500 متر. فهمت ان المركز مخصص للناخبين المسجلين في السجل المدني وان 937 من هؤلاء يحق لهم التصويت فيه. كانت الأجواء في باحة المركز احتفالية، وفي داخله كان المسؤولون يرحبون بالصحافيين والمراقبين الدوليين. قرأت على صندوق الاقتراع"دائرة القدس الانتخابية، رقم الصندوق 1165". رأيت الأمور سائرة على ما يرام. اجتزنا حاجز قلنديا العسكري بعد تعطيل استمر 25 دقيقة للتفتيش وتدقيق الهويات، ووصلنا الى القدسالشرقيةالمحتلة حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً، وتوجهت الى مكتب البريد الرئيسي في شارع صلاح الدين. كان المدخل غاصاً بالمقدسيين والصحافيين والمصورين، هناك اختلط الناخبون بمواطنين آخرين يريدون اكمال معاملات بريدية. استوقفت شابة مقدسية خرجت للتو من مكتب البريد بعدما أدلت بصوتها فشكت من عدم وجود ستار واقٍ من أعين الناظرين، وقالت:"المفروض ان تكون هنا غرفة سرية". لكنها اعتبرت يوم الانتخابات"يوماً مميزاً للفلسطينيين"و"وسيلة لغاية، وان شاء الله بداية للاستقلال والتحرر من الاحتلال". وأضافت ريم التي تعمل مرشدة اجتماعية:"وضعنا نحن أهل القدس صعب. الاحتلال يستفرد بنا". التقيت ناخباً آخر اسمه رجائي زلاطيمو 59 عاماً أمام مكتب البريد نفسه، فقال إن الفوضى موجودة خارج البريد"أما في الداخل فإن ادلائي بصوتي استغرق ثلاث دقائق فقط". شكا لي ناخب اسمه اسامة طاهر حشيمة وهو أسير محرر كان قد أمضى في سجون الاحتلال 19 سنة، من أنهم لم يعثروا على اسمه في سجل الناخبين في مكتب بريد صلاح الدين. وقال إنه سيذهب للتصويت في الزعيم القريبة من القدس قرب الطور. وأعلن أنه سيعطي صوته ل"أبو مازن لأنه رفيق درب رئيسنا الراحل عرفات، وقد تبنى إرثه ومواقفه". توجهت إلى مركز بريد في بيت حنينا تحت سيطرة سلطات الاحتلال، وهي إحدى ضواحي القدسالمحتلة، حيث قابلت سيدة اسمها كوليت توفيق حبش بدا من حديثها معي ومع صحافيين أجانب أنها تجيد خمس أو ست لغات، وهي مقدسية، شكت تلك السيدة من أنها مرّت على أربعة مراكز للانتخابات في منطقة القدس حاملة بطاقتها التي تؤهلها للتصويت ولم يستطع أحد في تلك المراكز أن يرشدها إلى المكان الذي يمكنها الادلاء بصوتها فيه. أحسست أن سير الانتخابات في مكاتب البريد الخمسة في مدينة القدس لم يكن على ما يرام. أما التصويت في المراكز ال12 الأخرى في منطقة القدس وضواحيها، فإن حسن سيره يعتمد على مدى تمكن الإسرائيليين من التدخل. تأكد احساسي عندما سمعت الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر الذي يقود فريقاً من المراقبين الأميركيين وهو يتحدث عن"مشكلات خطيرة"في مراكز الاقتراع الخاضعة للاحتلال.